الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

بيان صادر عن دار الأمير حول نشر كتاب التأويل


bayanta2wel

بيان صادر عن دار الأمير حول نشر كتاب التأويل 

بيروت في 10/12/2014
 
إيماناً منّا في دار الأمير بضرورة خلق مساحة تتجادل فيها الآراء جدالاً علمياً يفضي إلى تكوين مناخ نقدي حواري يساهم في تطور حركة الفكر وتحفيزها، فقد وضعنا سياسةً للنشر تقتضي نشر الكتب رغم مخالفتها لبعض آرائنا ما دامت لا تخالف ضرورةً من ضرورات الإسلام ، ولا تحتوي على ما يخرج صاحبها من دائرة التوحيد ، وطرح الكتب في الساحة الثقافية لتنال نصيبها من النقد والتقويم المحرِّك لبِرَك الواقع الثقافي.

وبالرغم من عدم قناعتنا بالمنهج الذي قدمه صاحب كتاب التأويل ، ومخالفتنا للبناء الذي شيَّد عليه أفكاره ، لكننا وبموجب هذه السياسة قبلنا طباعة كتاب التأويل لمؤلفه الشيخ أحمد البحراني في طبعته الرابعة ضمن اتفاق قبل سنة من تاريخه ، علماً أنّ الكتاب كان صدر في عدة طبعات منذ العام 1998 في أكثر من دار نشر أخرى.
 
و الكتاب المذكور كان عرضه علينا أحد الأشخاص في الكويت بادئ الأمر ، وتكفل بدفع تكاليف طباعته ، فوافقت الدار على نشره.

وبعد الطباعة التزاماً من الدار بالاتفاق ؛ تبيّن وجود خلل عقدي عند صاحب الكتاب حسب اعتقادنا، وذلك عبر ادعاءاتٍ منشورة بصوته ، ومن خلال عدة بيانات نشرها المؤلف مؤخراً على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي.

أمّا وقد طُبع الكتاب ونُشر ؛ وعليه اسم دار الأمير ، فإنّ دار الأمير تعلن عن براءتها من ادعاءات الشيخ أحمد البحراني ، وعن امتناعها عن توزيع كتاب التأويل ، وتسليم النسخ المطبوعة لأصحابها بعد أن اتفقت معهم على سحب الكتاب ، بما في ذلك التنازل عن حقوق دار الأمير في التوزيع.

وإنّ دار الأمير في بيروت ليست مسؤولة عن أية نسخة من الكتاب تُباع باسمها في أي مكان.

وعليه، فإنّ كلّ يروّج لكتاب التأويل تحت اسم دار الأمير سيتعرض للملاحقة القانونية.
 
دار الأمير للثقافة والعلوم / بيروت



المصدر:

السبت، 6 ديسمبر 2014

توضيحات حول رأي الميرزا التبريزي في المشي على الجمر

فقدت الساحة العلمية قبل سنوات أحد أعلامها وفقهائها المخلصين المنافحين عن حياض المذهب الحق، والمدافع الصلب عن مقدساته وشعائره، والمتصدي الأبرع للمشككين والضالين المضلين، ألا وهو آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (قدس سره)، فقد ترك هذا المرجع العظيم أثرا وآثارا قل نظيرها، وخط منهجا يسير عليه المخلصون، وفجر للولاء عيونا يرتوي منها العقائديون، وسجل موقفا لا مثيل له في نصرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)..

لقد أوصى التبريزي الراحل جميع المؤمنين الغيارى وبالأخص تلاميذه بالدفاع عن مسلمات المذهب الحق، وعدم إعطاء المجال لأي أحد كائنا من كان للتشكيك وإلقاء الشبهات في أذهان العوام خصوصا في قضية الشعائر الحسينية!! لقد كان ينظر بعين الله ويعلم علم اليقين أن ضعاف النفوس وخصوصا من معممي السوء ستكون لهم صولات وجولات في حربٍ نتنةٍ على الشعائر الحسينية..

"إن حفظ المذهب في هذا العصر يتوقف على حفظ الشعائر الحسينية".. جملةٌ أطلقها هذا المرجع الولائي تحمل في ظاهرها وطياتها معانٍ لا يدركها إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.. وعاد ليكرر في نهاية وصيته طلبه في المحافظة على الشعائر الحسينية وتأييدها..

البعض باع آخرته بدنياه، والأخسر باع آخرته بدنيا غيره، والبعض صاروا ملكيين أكثر من الملك!! هؤلاء جميعا قد توازروا على العزاء والشعائر!! وباعوا حظهم بالأرذل الأدنى وشروا آخرتهم بالثمن الأوكس، وتغطرسوا وتردوا في هواهم وأسخطوا الله ونبيه (صلوات الله عليه)..

رأينا ممارساتهم المشبوهة وسلوكهم القذر عبر وسائل التواصل الاجتماعي!! يبحثون عما يتشبثون به كي لا يسقطوا في جحيم الولاء المشتعل، بل ويستجدون قطرات المياه ظنا منهم أنها ستطفئ الألسنة الملتهبة!! والنار تنادي: هل من مزيد؟! فيهوي واحدٌ تلو الآخر، وكأني بهم سينادون عما قريب: ربي ارجعون!!..

لن أطيل أكثر بالمقدمة ولن أستنزف الحروف في الرد على كل أباطيلهم وترهاتهم وهرطقاتهم، وسأدخل في صلب موضوع المقال الذي يدور حول رأي الميرزا التبريزي في المشي على الجمر..

الميرزا التبريزي أصدر فتوتين والثانية تنسخ الأولى، ولا عيب في تغيير المراجع لآرائهم التي يكون منشأها زيادة التحقيق والبحث والتدقيق، بل إن الأمانة العلمية تحتم على الفقهاء أن يظهروا علمهم ويبصروا مقلديهم ففي ذلك صون الدين وإطاعة الباري (عزوجل)..

ورغم أن الفتوى الأولى لا اعتبار لها مع صدور فتوى أحدث منها، إلا أني سأتطرق إليها مع وضع بعض التوضيحات القاصرة..

*الفتوى الأولى (القديمة):
سئل الميرزا التبريزي: في بعض الحسينيات يقومون بإشعال الجمر ثم إطفائه، وبعد ذلك يقومون بالمشي عليه بقصد مواساة الحسين وعائلته عليهم السلام.
الجواب: هذا العمل غير داخل تحت الجزع وعنوان الشعائر، والله العالم.

وهنا نكات مهمة:
١- اقتصر جواب الشيخ على عدم دخول المشي على الجمر تحت الجزع وعنوان الشعائر.
٢- لم يكن في إجابته (قدس سره) أي نوعٍ من أنواع التحريم والنهي.
٣- لم ينفِ المرجع الراحل أن يكون المؤمن مثابا في هذا العمل..
ويدعم النقطة الثالثة ويوضحها جواب زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي (قدس سره) لسؤال عن التطبير، حيث قال: لم يرد نص بشعاريته فلا طريق للحكم باستحبابه، "ولا يبعد أن يثيبه الله على نية المواساة لأهل البيت الطاهرين إذا خلصت النية".
٤- هذه الفتوى لا اعتبار لها بعد صدور فتوى أحدث منها، سأتكلم عنها في الأسطر القادمة..

*الفتوى الثانية (الأحدث):
بعد مراجعة مكتب الشيخ التبريزي حول رأي المرجع المرحوم في المشي على الجمر، أوضحوا لنا بأن الميرزا التبريزي له استفتاء قديم في صراط النجاة بأنه ليس من الشعائر كما كان يرى في التطبير، ولكنه غير فتواه في المشي على الجمر وكذلك التطبير وأدخلهما ضمن الشعائر الحسينية..
وكان نص جوابه (رضوان الله عليه) :
من يعمل بمثل المشي علي الجمر مواساةً لأطفال الحسين (عليهم السلام) يري نفسه يعمل بالشعائر..

وحتى لا تخرج لنا بعض الأصوات النشاز ويعلوا صراخها بالتكذيب والتشكيك يمكنكم مراسلة المكتب والتأكد بأنفسكم بصحة ما أوردت..

نعم لقد اختلفت أقوال الفقهاء حول مسألة المشي على الجمر وخصوصا في شعائريتها، ولست في مقام ترجيح رأي على آخر، ولكن رأيت ومن باب التكليف الشرعي أن أوضح رأي الميرزا التبريزي حتى لا يلتبس الأمر على المؤمنين خصوصا بعد محاولات بعض عبيد الدنيا تحوير الفتوى القديمة كي تصب في صالحهم وتعبّد مسيرهم نحو طمس كل ما يرتبط بعزاء الحسين (صلوات الله عليه)..

في النهاية أوجه نصيحة لأعداء الشعائر الحسينية وعزاء أهل البيت (صلوات الله عليهم) بالكف عن النيل من مقدساتنا وشعائرنا، فكلما ازدادوا خسةً واسفافا كلما ازداد العقائديون تمسكا وصلابة!! أنتم تلعبون لعبةً خاسرة!! وتمارسون شعوذةً فكريةً يبطلها المؤمنون كلما أعدتم الكرة!! وفروا جهودكم وأوقفوا مشاريعكم فالنهاية معروفة والخسائر فادحة..

خادمكم/ مهدي نواب

الخميس، 13 نوفمبر 2014

تفنيد أكذوبة التسقيف

تفنيد أكذوبة التسقيف
بقلم: الشيخ محمد صنقور
__________
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

ردّ موجز على بيان المدعو أحمد البحراني الذى ادَّعى فيه انَّ مسجد الصبور هو معيار الغيبة والظهور وانَّه إذا تمَّ تسقيف المسجد فلم يسقط سقفُه فإنَّ ذلك يكون علامةً على تحقُّق الظهور، وعلامةً على صحَّة دعوى احمد اسماعيل القاطع انَّه رسولُ المهدي (ع) .(1)
فالجواب انَّه لو تمَّ تسقيف مسجد الصبور فلم يسقط السقف ، لماذا لا يكون ذلك دليلاً على انَّ دعوى انَّ المسجد لا يقبل التسقيف في عصر الغيبة لم تكن سوى اسطورة .
إنَّ توصيف صاحب البيان لدعوى عدم قبول المسجد للتسقيف ما دامت الغيبة بانَّها  قضية فوق الشبهات ليست سوى دعوى جزافيَّة لا تبتني على أساسٍ قويم، كيف والشبهات تحوط هذه القضية المزعومة من كلِّ اتجاه.
فمَن هم الذين عاينوا هذه القضيَّة؟ ماهي اسماؤهم؟ وكم كان عددهم؟ وما هو مقدار تثبُّتهم؟ وهل كانوا من الثقاة، ومتى وقعت هذه القضية؟ وهل تكرَّرت مراراً بما يُصحِّح البناء على صدق هذه الدعوى؟
ثم مَن هو الشيخ محسن الصبور؟ وإلى أيِّ حقبة ينتمي؟ ومن هم العلماء الذين كان قد عاصرهم فعرفوه بالتأني والتثبُّت؟ وهل لكم طرقٌ متَّصلة إليه تُثبت انَّه ادَّعى ذلك تحديداً أو هل يُوجد مستنداتٌ علميَّة تصلح لإثبات انَّ الشيخ الصبور قد ادَّعى هذه القضية؟ كلُّ ذلك -بعد التحرِّي- لم نجد له عيناً ولا أثراً.
ثم إنَّ البحرين لم تخلُ من علماء على امتداد التاريخ خصوصاً في البلاد القديم والقرى والمناطق المجاورة لها، فمَن هم العلماء الذين عاصروا هذه القضية وادَّعوا التثبُّت من صدقها؟ ومَن هم العلماء الذين وثَّقوا لهذه القضية في مدوَّناتهم؟ لماذا لا نجد في كتب أحدٍ منهم ذكراً يُعتدُّ به لهذه القضية؟ رغم انَّ دواعي النقل لهذه القضية متوافرة، فهي بحسب الدعوى كرامةٌ لامامهم ومعشوقهم (ع)، وهي في ذات الوقت قضيَّةٌ غريبة تسترعي بحسب طبعها اهتمام العلماء والباحثين؟ 
وأما من نقل عنهم صاحب البيان هذه القضية فهم لم يدَّعوا المعاينة او التثبُّت من صدق القضية بل نقلوا القضية مرسلةً دون سندٍ ولا مصدر، فالسيِّد صاحب كتاب "مائتان وخمسون علامة" ليس من أهل البحرين ولم يذكر مستنداً للقصَّة وهو من المعاصرين، واما الناصري فنقل القصة عن السيد المذكور ، وكذلك فإن موقع الأوقاف نقل القصَّة عن الناصري الذي نقل عن السيد صاحب الكتاب المذكور، فهؤلاء الثلاثة  لم يذكروا مستنداً للقضية، فنقلُهم لم يكن أحسنَ حالاً من تناقل العوام لها بل الواضح انَّ معتمدهم  فيما نقلوه لم يكن سوى ما هو متناقل عن  بعض العوام الذين تستهويهم الحكايات والغرائب ولا يهمهم التثبُّت كما انَّهم لا يُحسنون التعاطي مع الوسائل الموجبة للتثبُّت من صدق القضايا أو كذبها.
وخلاصة القول: إنَّ دعوى انَّ مسجد الصبور لا يقبل التسقيف في عصر الغيبة ليس لها مستندٌ يصحُّ التعويل عليه ، وحيثُ كان الأمرُ كذلك فكيف تقوم عقيدة أو كيف يصحُّ الاستدلال على أمرٍ خطيرٍ كدعوى تحقُّق عصر الظهور وانَّ أحمد اسماعيل القاطع رسولُ المهدي ! كيف يصحُّ الاستدلال على هذا الأمر بقضيةٍ هي غير ثابتةٍ أساساً ؟! 
فالإخبار عن عدم قبول مسجد الصبور للتَّسقيف لم يكن سوى حكايات ومراسيل يتناقلها بعضُ العوام، فليس عندنا مَن يشهد بالمعاينة لهذه الواقعة المدعاة ولا مَن يشهد بالسماع المتَّصل ممَّن عاين من الأثبات هذه الواقعة المزعومة. 
فكان على صاحب الدعوى انْ يتثبت اولا من هذه القضية قبل ان يفضح نفسه ويكشف للناس عن حظه البائس من الفهم وكان عليه ان يلتفت الى انه لا يصح لدى العقلاء ان تحسم قضية بقضية اخرى غير محسومة

ثم إنَّ الدعوة الى تسقيف مسجد الصبور جاءت لإثبات انَّ احمد اسماعيل القاطع العراقي رسولٌ للمهدي، فهذا هو ما زعمه أحمد البحراني في بيانه. 
ومن الواضح البيِّن انَّ ثمة اجماعاً بالغاً حدَّ التسالم القطعي لدى الطائفة  على انَّ كلَّ مَن يدَّعي الاتَّصال بالإمام المهدي (ع) وتلقِّي الأوامر منه بعد الغيبة الصغرى فهو كذَّاب مفترٍ، فالضرورة المذهبيَّة قائمةٌ على ذلك، ولهذا فهم متسالمون على عدم جواز الإصغاء إلى كلِّ من يدَّعي الاتصال بالإمام المهدي (ع) وتلقي الأوامر منه حتى وإن قدَّم للناس غرائبَ ادَّعي انَّها معجزاتٌ وخوارق فإنَّه لا يُصدَّق ولا يُصغى إلى مزاعمه، تماماً كما لو ادَّعى أحدٌ انَّه نبيٌّ أو رسولٌ من عند الله تعالى فإنَّه لا يُصدَّق ولا يُصغى إلى دعواه، وذلك للتسالم وقيام الضرورة على انَّ النبوة والرسالة قد خُتمت بالنبيِّ محمد (ص).
هذا وقد اشتمل بيان المدعو أحمد البحراني على العديد من المغالطات سنشير إليها إنْ استدعى الأمر ذلك.

والحمد لله رب العالمين


الشيخ محمد صنقور
١٨ محرم ١٤٣٦
الموافق ١٢ نوفمبر ٢٠١٤

_________
(1). "لقد تشرفت بلقاء الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (عج)، وطرح حلا كلفني بتحمل إبلاغه، بالقول: (ادع إلى تسقيف المسجد!) قاصدا مسجد الصبور، بغية قطع النزاع القائم في الطائفة منذ أكثر من عقد حول رسوله احمد إسماعيل!"

http://dawatalmahdi.blogspot.com/2014/11/blog-post.html?m=1

الاثنين، 10 نوفمبر 2014

التقليد فوق الشبهات

التقليد فوق الشبهات

بقلم: سلمان السعدون

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
 
وبعد ...

فإن الأمم منذ القدم قد جرت في سلوكها على وجود المختصين للعلوم والأعمال المتداولة في عصرهم كالطبيب في الطبابة والمهندس في الهندسة والرياضيات والحداد في الحدادة والنجار في النجارة والمزارع في الزراعة واللغوي في اللغة والفيلسوف في الفلسفة والمعلم في طلب العلم وغيرها من العلوم والتخصصات العلمية والعملية .

 وكما جرت سيرتهم عند مواجهة المشكلات في وضع الاحتمالات التي من خلالها يتم التيقن من حل المشكلة سواء بترجيح عمل على عمل آخر  أو الجمع بين عملين وغيرها من الترجيحات حسب المعطيات التي بين أيديهم حتى يصلوا إلى الواقع العملي الذي تفرضه عليهم تلك الاحتمالات ، فمثلاً لو أراد الإنسان أن يفسر أحد النصوص ولديه عدة معاني لمفردة من المفردات فيقوم بعزل المعاني التي لاتناسب السياق إلى أن يصل إلى المفردة التي تفسر ذلك النص حسب السياق الموجود ، وكذا بالنسبة لبقية الأعمال والعلوم .

وكما جرت سيرة الأمم في طبيعتها للرجوع إلى المختص في حاجاتهم التي تعينهم في أمور دنياهم فلو كان هناك مريض بمرض يأتي الطبيب كي يشخص مرضه ويعالجه ولو أراد أن يصنع سيفاً يلجأ للحداد ولو أراد بناء بيتٍ لجأ للبنّاء ولو أراد أن يخيط ثوباً ذهب للخياط وهكذا في بقية أمورهم المعاشية .

وهذه السيرة لم تكن محصورة فقط في العلوم الدنيوية بل جرت في الأديان كذلك ، فمن أقر بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وآله نبياً وأن هناك حساباً وعقاباً كان على شريعة الإسلام التي لا تخلو من تكاليف متوجهة للمسلمين من أتى بها برئت ذمته ومن لم يأت بها انشغلت ذمته  ، ولما كانت ذمته مشغولة لابد له من تفريغ ذمته من هذه التكاليف ، فكيف تفرغ ذمة المكلف ؟ هذا هو محور رسالتنا التي سنطرحها في هذا المقال الموجز .  

وكان السبب الداعي إلى هذه الرسالة هو بعض الشبهات التي يلقيها بعض الشباب حول الرجوع للفقهاء في مسائل دينهم وبعض المسائل المتعلقة بالتقليد كالقول بأن التقليد يسلب الاختيار وغيره من الشبهات التي سوف نتناولها في رسالتنا.
وقد جعلت البحث في محاور أربعة :

١-قاعدة الاشتغال
٢-الاجتهاد
٣-الاحتياط
٤-التقليد

 
المحور الأول : قاعدة الاشتغال
 
قاعدة الاشتغال تعني أن العالِمَ باشتغال ذمته يقيناً يجب عليه إفراغ ذمته بشكل يقيني أيضا ، وهو مبدأ عقلاني يعترف به كل عقلاء العالم فمثلا لو كانت ذمة شخص (أ) مشغولة بمائة دينار لشخص (ب) وجب على (أ) إفراغ ذمته من المائة دينار وكذا الحال بالنسبة لسائر الأمور المعاشية فكل مسئول عن عمل ما لابد أن يؤدي واجباته تجاه ذلك العمل على أتم وجه حتى يفرغ ذمته المشغولة تجاه ذلك العمل فمن كانت عليه حقوق وواجبات لابد له من أدائها وإلا كان مقصراً يستحق العقوبة.

 وهذه نتيجة طبيعية عقلانية لكل مؤمن بشريعة محمد صلى الله عليه وآله في كون ذمته مشغولة بتكاليف متوجهة إليه من الباري تعالى في الخاطابات المولوية كخطاب (صَلِّ) إذا حان وقت الصلاة  وخطاب (صُمْ) إذا دخل شهر رمضان وخطاب (حج) إن كان مستطيعاً وغيرها من الخطابات الإلهية، فلابد من المكلف إفراغ ذمته تجاه الله تعالى وتكاليفه المتوجهة إليه ، فالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، ولا يكون ذلك إلا عن طرق ثلاثة محصورة عقلاً وهي : إما الاجتهاد أو الاحتياط أو التقليد.
 
 
المحور الثاني : الاجتهاد

الاجتهاد هو بذل الوسع والجهد في التخصص ، وهي سيرة جارية في الأمم السابقة والحاضرة واللاحقة ولن تنفك عن البشرية حيث إنها غير متعقلة بعلم دون آخر ولا بحرفة دون أخرى ففي كل مجال من مجالات الحياة تجد ذلك المختص شاخصاً أمام الناس يرجعون إليه إذا احتاجوه ، فالطبيب مجتهد في الطب يرجع الناس إليه في الطب والمهندس مجتهد في الهندسة يرجع الناس إليه في الهندسة والفلكي مجتهد في الفلك يرجع الناس إليه في الفلك والنجار مجتهد في النجارة يرجع الناس إليه في النجارة وهكذا في بقية المجالات العلمية والعملية .
هؤلاء المتخصصون والمجتهدون دائماً هم الفئة القليلة من الناس فلن تجد أغلب الناس أطباء والقليل هم المرضى ولن تجد الأكثرية هم المهندسون والقليل هم من غير المهندسين ولن تجد أغلب الناس حدادون والقلة من غير الحدادين ولن تجد غالبية الناس من الفلكيين ، إنما أهل الاختصاص قلة بالنسبة لغيرهم من الناس فهل عدد الأساتذة في المدارس أكثر من عدد الطلاب؟فهذا الأمر وجداني يعاينه كل عاقل على هذه المعمورة .

 ومن بين هذه التخصصات الفقه والتفقه في الدين وبذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المقررة شأنه شأن تلك التخصصات الموجودة في هذا العالم فهل هو متيسر للجميع أم متيسر للبعض ؟ .

فالإجابة التي يجيب عليها كل عاقل هي أن الاجتهاد والتفقه في الدين متيسر للبعض دون البعض الآخر وهذا ما تصدح به الآية الكريمة في قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(1) فلذلك الاجتهاد والتفقه في الدين واجب كفائي يسقط عن البعض بقيام البعض الآخر به وإن لم يقم به أحد أثم الجميع  ، كما أنك تجد الفقهاء والمجتهدين قليلين شأنهم شأن بقية المتخصصين والمجتهدين في بقية التخصصات .

 
إرشاد أهل البيت عليهم السلام
 
 قد حث أهل البيت صلوات الله عليهم أصحابهم وشيعتهم على التفقه في الدين ( فعن إسحاق بن عمار قال : سمعت أباعبد الله ( عليه السلام) يقول : ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام .)(2)

وفي رواية أخرى تحث على التفقه في الدين ( في وصية المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : تفقهوا في دين الله ولا تكونوا أعرابا فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا .)(3)

 وفي رواية أخرى ( عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . فقال : إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين ، فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه.)(4)    

 ففي هذه الروايات إشارة على تحفيز أهل البيت عليهم السلام المؤمنين على طلب العلوم الشرعية والتفقه في دين الله أصولاً و فروعاً .


آليات وقواعد الاستنباط في تراث آل محمد صلى الله عليه وآله

ثمة شبهة تتداول بين بعض الشباب وهي أن آليات استنباط الأحكام الشرعية في الحوزات العلمية لم يضعها أهل البيت عليهم السلام  ولكن المتتبع لما وصل إلينا من كلام آل محمد يجد الكثير من الشواهد على أنها منهم صلوات الله وسلامه عليهم واليك بعضاً منها :

عن الرضا عليه السلام : ( علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع )(5) فالتأصيل والتقعيد منهم صلوات الله عليهم والتفريع وإنتزاع القواعد على الفقهاء العاملين.

وأمثلة ذلك كثيرة كما في علوم اللغة وفي علم الكلام والفقه وأصول الفقه والتفسير ومما يتوقف عليه عملية الاجتهاد والتفقه في الدين وسنعرض ما يدلل على هذا المعنى على سبيل المثال لا الحصر :

ففي اللغة : ( عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: تعلموا العربية فإنها كلام الله الذي تكلم به خلقه، (ونطقوا به الماضين) وبلغوا بالخواتيم.)(6)

وفي علم الكلام ففي رواية طويلة نستقطع منها المطلب فقد ( قال الصادق عليه السلام لهشام بن الحكم : مثلك فليكلم الناس.)(7)

وفي علم الفقه قاعدة لاتعاد ( فعن أبي جعفر عليه السلام : لا تعاد الصلاة إلا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ثم قال ع : القراءة سنة والتشهد سنة والتكبير سنة ولا تنقض السنة الفريضة.)(8)

وفي الفقه أيضا قاعدتا الفراغ والتجاوز ( فعن أبي جعفر عليه السلام : كل ما شككت فيه مما مضى فامضه كما هو.)(9)

وفي التفسير ( عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحك ثم قال : يا زرارة قال : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونزل به الكتاب من الله لأن الله عز وجل يقول : " فاغسلوا وجوهكم " فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال : " وأيديكم إلى المرافق " ثم فصل بين الكلام فقال : " وامسحوا برؤوسكم " فعرفنا حين قال : " برؤوسكم " أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه : فقال : " وأرجلكم إلى الكعبين " فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للناس فضيعوه ثم قال : " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " فلما وضع الوضوء إن لم تجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال : " بوجوهكم " ثم وصل بها " وأيديكم " ثم قال : " منه " أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ، ثم قال : " ما يريد الله ليجعل عليكم ( في الدين ) من حرج " والحرج الضيق.)(10)

وفي علم الرجال ( فعن أبي جعفر عليه السلام :  لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها .)(11)

 وفي علم الدراية ( فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : حديث تدريه خير من ألف ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا ، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً لنا من جميعها المخرج .)(12)

وفي علم أصول الفقة قاعدة الاستصحاب : ( وروي عن إسحاق بن عمار أنه قال: " قال لي أبو الحسن الأول عليه السلام :

إذا شككت فابن على اليقين ، قال: قلت: هذا أصل؟ قال: نعم ). (13)

 فهذه نبذة مختصرة وأمثلة بسيطة عن بعض القواعد والأصول والآليات التي ألقاها وأصلَها المعصومون صلوات الله عليهم ، وفرّع عليها فقهاؤنا العلوم الشرعية ، كما أن هناك مصنفات للأعلام منها : الأصول الأصلية وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام وغيرها من التصانيف التي فيها الكفاية وزيادة على ما أوردناه .

المحور الثالث : الاحتياط
 
الاحتياط هو الإتيان بالاحتمالات التي يتيقن معها الإنسان من إصابة الواقع ، وقد جرت عليه سيرة الأمم السالفة في شتى المجالات ، كما لو أراد الإنسان أن يشخص مرضه ولنفرض أن لديه ألماً في بطنه فإنه يعمل على وضع بعض الاحتمالات قبل مراجعته للطبيب باستعمال بعض الأعشاب وغيرها من الأعمال كتدفئة البطن حتى يزيل هذا الألم أو أن يترك بعض المأكولات التي تجلب آلام البطن والمعدة .

أو حينما يكون الإنسان على رأس عمله وصادفته بعض المشكلات مثلا : التأخير في إنجاز الأعمال فيضع بعض الاحتمالات مثل كثرة المعاملات أو قلة عدد الموظفين أو طول الدورة المستندية لهذه الأعمال فيعمل على زيادة عدد الموظفين وتقصير الدورة المستندية ويبدأ بالأهم ومن ثم المهم حتى يصل إلى مرحلة الإنجاز السريع للأعمال .

وكذا الحال في التكاليف الشرعية فالمكلف يعمل بالاحتياط حتى يتقين معه إفراغ ذمته من التكاليف الشرعية المتوجهة إليه والاحتياط بالنسبة للمكلف على أربعة أقسام :
 

أولاً: أن يكون الاحتياط بالإتيان بالعمل .

ثانياً: أن يكون الاحتياط بترك العمل .

ثالثاً: أن يكون الاحتياط بالجمع بين عملين .

رابعاً: أن يكون الاحتياط بترك العملين .

 
 فمتى يكون الاحتياط بالإتيان بالعمل ؟ حينما يحتمل المكلف وجوب العمل ويعلم بعدم حرمته فهنا مقتضى الاحتياط أن يأتي بالعمل ، كما لو أنه احتمل وجوب صلاة الليل ويعلم بعدم حرمتها فمقتضى الاحتياط الإتيان بصلاة الليل .

ومتى يكون الاحتياط بترك العمل ؟ حينما يحتمل حرمة العمل ويعلم أنه ليس واجباً فمقتضى الاحتياط ترك العمل ، كما لو أنه احتمل حرمة السماع للموسيقى ويعلم أن سماعها ليس واجباً فمقتضى الاحتياط هنا ترك سماع الموسيقى.

 ومتى يكون الاحتياط بالجمع بين العملين ؟ حينما يعلم إجمالاً أن أحد العملين قد وجب في حقه ولا يعلم أيهما الذي وجب عليه فمقتضى الاحتياط الجمع بينهما ، كما لو شك المكلف في أنه قد قطع المسافة الشرعية وحلّ عليه وقت الصلاة الرباعية ولكنه لا يعلم هل يقصّر الصلاة أو يتمها حيث إنه شاك في قطع المسافة فمقتضى الاحتياط هنا أن يصليها تارة قصراً وتارة تماماً حتى يفرغ ذمته من الواقع المجهول.

 ومتى يكون الاحتياط في ترك العملين معاً ؟ حينما يعلم إجمالاً أن أحد العملين محرم عليه ولا يعلم أيهما المحرم عليه فمقتضى الاحتياط ترك العملين ، كما لو شك في أن الماء أو الإنائين أحدهما مغصوب فمقتضى الاحتياط ترك التصرف فيهما .

ولابد من الإشارة إلى أن الاحتياط غالباً ما يتعذر على عامة الناس لعدم معرفتهم بموارد الاحتياط كما لو علم المكلف أن الفقهاء اختلفوا في جواز الوضوء والغسل بالماء المستخدم في رفع الجنابة فمقتضى الاحتياط عدم استخدام الماء المستعمل في رفع الجنابة وتركه إلا اذا لم يكن عند المكلف سوى هذا الماء المستعمل فمقتضى الاحتياط هنا الوضوء أو الغسل بهذا الماء المستخدم  في رفع الجنابة.

كما أن الاحتياط قد يعارض الاحتياط من جهة ما ، فلا يكون للمكلف إلا الاجتهاد الذي مر بيانه أو التقليد كي يفرغ ذمته ، كما لو كان مقتضى الاحتياط الإتيان بالتسبيحات الأربع ثلاث مرات في الصلاة الرباعية أو الثلاثية لكن إذا ضاق الوقت عليه أو طرأ عليه طارئ فلا يفرغ ذمته  سوى الاجتهاد أو التقليد .

وحيث إن المكلف باختياره لهذا الطريق يكون على يقين من إفراغ ذمته فلا شك في حسنه عقلاً بل واستحبابه شرعاً ، حيث إنه قد تواترت الروايات في كون الاحتياط هو سبيل النجاة ومما يدل على ذلك ماورد ( عن الرضا ع يقول : إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لكميل بن زياد فيما قال : يا كميل أخوك دينك ، فاحتط لدينك بما شئت.(14)

 وما رواه الشهيد ( عن الصادق ( عليه السلام ) في حديث طويل قال فيه : " وخذ بالاحتياط لدينك في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا")(15)

 (وقال الصادق ( عليه السلام ) : لك أن تنظر الحزم ، وتأخذ بالحائطة لدينك .)(16)

ونكتفي بهذا القدر حتى لا يطول بنا المقام .
 
 
المحور الرابع : التقليد

التقليد هو رجوع الجاهل للعالم وللمختص في المجال الذي يفتقر إليه وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء على مر الأزمنة حيث إن كل فرد من البشر يطبقها في حياته ، فالمريض يرجع إلى الطبيب ومن يجهل الزراعة يرجع للمزارع ومن يجهل معاني الألفاظ يرجع لقواميس اللغة والمختصين بها ومن يجهل في البناء يرجع للمعماري وهكذا في بقية وسائر المجالات العلمية والعملية فالإنسان لابد  له من الرجوع للمختص حتى يفتيه بحسب اختصاصه.

 فطبيعة الإنسان هي الاحتياج لغيره في قضاء حوائجه ومسائله ومن هذه المجالات التي يحتاج إليها الإنسان التفقه في الدين ، ولذلك من تعسر عليه طلب التفقه في الدين وتعذر عليه الاحتياط لابد له من أن يقلّد العالم المأمون دينه لمعرفة أحكامه الشرعية .

وهذا هو الطريق الأخير من طرق استفراغ الذمة هو ما عليه عامة الناس وهو ما جرت عليه سيرة العقلاء من رجوع الجاهل للعالم وقد أرشد الشارع المقدس إلى هذا الطريق في كثير من المواضع منها آية النفر آنفة الذكر ، حيث إن من تفقه في الدين يرجع لينذر قومه والقوم هاهنا ليسوا سوى مقلدين لمن تكبدوا عناء التفقه في الدين وليس مرادنا من التقليد سوى ذلك ، فحينما كان التفقه في الدين ليس متاحاً للجميع وكذلك الاحتياط غير متاح للجميع ، يبقى الطريق الشائع بين عامة الناس وهو التقليد .


إرشاد أهل البيت عليهم السلام

ففي وصية طويلة للإمام الصادق ع نستشهد بموضع الشاهد فيها : ( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ،حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم.)(17)

فهنا الرواية أعطت أوصاف الفقيه الذي يمكننا أن نرجع إليه لا كل فقيه اتفق نستفتيه ، فلذلك الوجوب هنا تخييري فللعامي أن يحتاط  أو أن يلتحق بركب طلب العلم ليتفقه في الدين أو أن يقلد من كانت هذه مواصفاته ، وكما أن الرواية ناظرة لوجوب رجوع الجاهل للعالم كما هي سيرة العقلاء وهذا الوجوب تخييري ، وتدل الرواية أيضاً على أن الفقهاء قلة وليس كل الناس متفقهين كما في بقية التخصصات العلمية والعملية وكما يدل عليه الوجدان على ذلك .

( فعن علي بن المسيب الهمداني قال : قلت للرضا عليه السلام : شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت ، فممن آخذ معالم ديني ؟ قال : من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ، قال علي بن المسيب : فلما انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم ، فسألته عما احتجت إليه.(18)

فالإمام عليه السلام أرجعه إلى العالم بمعالم الدين وهو زكريا ابن آدم فرجوع عامة الناس لمعرفة معالم دينهم من الفقهاء المأمونين على الدين والدنيا أمر بديهي أرشد إليه الشارع وأرشدت إليه السنة المطهرة وجرت عليه سيرة العقلاء من سالف العصور إلى يومنا هذا.

 ونختم هذا المحور بترجمة أبان بن تغلب كما في الفهرست : ( وقال له أبو جعفر الباقر عليه السلام : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس ، فإني أحب أن يُرى في شيعتي مثلك )(19)

ففي هذه الرواية دلالة كافية لمن له أدنى تأمل على رجوع الشيعة للعالم المتفقه في الدين ، فالمؤمن مخير بين أن يكون مجتهداً أو محتاطاً أو مقلداً حتى يفرغ ذمته من التكاليف الإلهية المتوجهة إليه.

 
خاتمة

نحن نعلم أن لكل فعل حكماً شرعياً من الأحكام الخمسة ، فلابد من تحصيل الحجة على ذلك الفعل فإما أن نجتهد أو نحتاط بين الأقوال أو نقلد ، أما الإقدام على الفعل من دون علم فهو عمل بغير علم وهو إفتاء من دون علم ( وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح .)(20) و ( عن أبي جعفر عليه السلام قال : من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه .)(21) 

لذلك عمل غير المجتهد من دون احتياط أو تقليد باطل فهو من باب العمل والإفتاء من دون علم حتى وإن كان لنفسه ناهيك أن يفتي لغيره ،فنحن في أمور الدنيا لا يمكننا أن نقول بما لا نعلم فكيف بأمور الدين ؟ فالإنسان لابد أن يتحرز لأمور معاده كما يتحرز لأمور معاشه فحينما تجد سيرة البشر على مر العصور حالهم بين اجتهاد واحتياط وتقليد فتعتبر هذه من السنن الكونية التي لن تنفك عنهم فالشبهات المطروحة إنما هي شبهات في مقابل البديهة التي لا يختلف عليها العقلاء .

 هذا والحمدلله رب العالمين وصلى الله على نبيه وآله الطيبين الطاهرين .

 _______________________________
 
الهوامش :
1)( التوبة : 122 )
2)( المحاسن ج1 : ص229/165)
3)( بحار الأنوار ج1 ص209/18 )
4)( تفسير العياشي ج1 ص151 ح498)
5)(وسائل الشيعة ج27 ص62/52)
6)(وسائل الشيعة ج5 ص84/1)
7)( الكافي ج1 ص168/4 )
8)( وسائل الشيعة ج5 ص459/14)
9)( وسائل الشيعة ج8 ص237/3 )
10)( الكافي ج3 ص29/4 )
11)( وسائل الشيعة ج27 ص77/67 )
12)( بحار الأنوار ج2 ص182/5 )
13)(الفقيه ط جديد ج 1 / 351 ح 1025)
14)(أمالي المفيد : ص283)
15)(الحدائق الناضرة :ج1 ص72 )
16)( وسائل الشيعة : ج27 ص154/65)
17)( وسائل الشيعة ج27 ص124/20 )
18)(وسائل الشيعة ج18 ص98/27)
19)(فهرست الشيخ الطوسي ص57)
20)(الكافي ج1 ص43/3)
21)(الكافي ج1 ص42/3)
 

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

عقـلنـة الشـعائـر

" عقـلنـة الشـعائـر"

بقلم: ع. ز.



مع كل موسم عاشورائي تعود نفس الأفواه لتجتر ذات الشعارات الخطابية عن العقلانية وضرورة عقلنة الشعائر الحسينية، وكون "الإمام الحسين (ع) يريد منا كذا ... ولا يريد منا كذا" وهو خطاب بائس يصادر إرادة الإمام (ع) ويتقوّل على لسانه لأجل فهم شخصي واستحسان ذاتي، وهي ذاتها الأمور التي تقف خلف دعوى عقلنة الشعائر الحسينية لأن قائلي هذه الاسطوانة يتصورون أن الإنسان لكونه كائن ذو عقل ووعي وإدراك [وهي كلمات ابتذلت لشدة ما استعملت] فهو يجب أن يكون عقلانيًا في كل وجوده، والحال أنه ليس كذلك، فشؤون حياته ومسالكه في معظمها لا يخضع تمام الخضوع للعقل!
إن أول ما يُلاحظ على أصحاب هذه الدعاوى هو الخطاب الإستعلائي الذي يمارسونه تجاه المؤمنين، وأهل الله من الناس، فرغم أن دعوى العقلانية في الغرب وهي منبعها اتسمت بالتواضع تجاه العلوم وولّدت مفاهيم ليبرالية إنسانية تجاه قبول الآخر فإن الخطاب العقلاني اتسم عندنا بالاستعلاء وتجهيل الآخر واستصغاره، وكأن العقل كان غائبًا عن عامة الناس ووجده أصحاب الخطاب فجأة فقرروا الامتياز به عليهم!
ثاني ملاحظة مهمة هي أن أصحاب دعوى العقلانية لا يعمدون أبدًا إلى وضع معيار يمكن قياس به "العقلانية" ولو تبصرت بما يطرحون حق التبصرة لوجدت أنهم يريدون إخضاع مفهوم العقلانية إلى "مقبولية الآخر ورضاه" فهم يريدون من "عقلنة الشعائر" أن نجعلها تحظى بقبول الآخرين المخالفين ورضاهم وتصفيقهم، وهذا يعني أن معيارها هو استحسان الطرف المقابل وليس اثباتها عقلانيًا له.
إنه من العجب أن نجد أهل العقل حقيقة، كابن سينا وملا صدرا وحتى امتدادهم اليوم كالعلامة الطباطبائي والشيخ الآملي وغيرهم، يرفضون مثل هذه الدعوى بعقلنة الشعائر الدينية، أو العقلانية المطلقة في كل شيء، بينما يصر عليها هؤلاء، وهم في الغالب ممن حظهم بالتعليم لم يتجاوز التعليم الأكاديمي الذي يبتني على المغالطات وتجميع المعلومات بالحفظ والاسترجاع، فتصوروا هذا الحفظ بما فيه من مغالطة وقياس وتشابيه "عقلاً" يطالبون كل شيء بالخضوع له.
يقول الشيخ اليزدي: «.. هم يريدون بالعقلانية أن الإنسان يجب عليه أن يقبل ما يعرفه بعقله ويدع ما وراء ذلك وأنه ليس في حياة الإنسان عامل مؤثر في تعيين مسيرته إلاّ عقله» (أصول المعارف الإنسانية / ٩٥).
وهذا الأمر يجر إلى «نفي الوحي والدين وإلى نفي الشهود العرفاني، فالعقلانية في الثقافة الغربية الحديثة تحتوي على هذه الشحنة السلبية وما يدعوننا إليه من العقلانية تشير إلى رفض الدين والوحي والأمور العرفانية والمعنوية. ومع الأسف فهذه الدعوة إلى العقلانية صارت شعاراً شائعاً حتى بين المثقفين المسلمين، ويؤيدون دعواهم هذه بالايات التي تحث الإنسان على التعقل والتدبير {إن في هذه لايات لقوم يعقلون...} وأمثالها، وأن الإسلام حث على الخضوع للعقل ورفض ما وراء العقل، غافلين أو متغافلين عن أن هذا يؤدي إلى رفض الدين والوحي لأن كثيراً من الأمور الدينية لا تنالها يد العقل، الوحي نفسه أمر غير عقلاني فإذا رفضنا كل أمر غير عقلاني يؤدي ذلك إلى نفي الدين ورفض الدينيات لا سيما ما لا يناله العقل، فيتبجحون بهذا الشعار ويدعون كل الشعوب وأصحاب الثقافات المختلفة إلى هذه العقلانية وكذا يدعون المسلمين إليها استناداً إلى أن الإسلام يدعو إلى العقل والعقلانية وهو شعار مزيف ومضلل» (أصول المعارف الإنسانية / ٩٦).
أهم ما تنطوي عليه هذه الدعوى هي أنها تؤصل لمعايير مائعة مطاطة لا يمكن قياسها، فأن تقول أريد منك أن تفهم الرسالة العملية فهو أمر يمكن قياسه بالاختبار والتقييم ولكن أريد منك أن تكون واعيًا أو نهضويًا أو ثائرًا .. إلخ هذه الخطابات الشعاراتية المائعة غير قابلة للقياس، فليس هناك معيار يمكن قياس حالة الوعي أو النهضوية إليه، ثم الوعي بماذا واستنادًا لمن؟ والإنسان إذا صارت مقاييسه مائعة صار قابلاً لكل دعوة دجل طالما استندت لخطابات وشعارات، وهو ما نراه اليوم جليًا!
نحن لا نقول بأن العقل غير مطلوب، كيف وهو أول مخلوق، ولكن العقل يختلف عن العقلانية، وللعقل حدوده ودوائره التي لا يتعداها، ولا يجب أن يتعداها، لأن الإنسان ليس عقلاً مجردًا بل هو مركب من روح وبدن، غرائز وشهوات، عقل وفكر، مشاعر وأحاسيس، وعقلنة مظاهر الحزن والجزع هي دعوى غير عقلانية، فكيف تقول لمن فجع بأمه أو أبيه عليك أن تكون واعيًا وتستبدل عزاءك بمؤتمر تطرح فيه فكر فقيدك؟ أو أن تحول فجيعتك إلى دراما مسرحية! وخلف هذه الدعوات عقول خبيثة تفكر لأنها تعلم بأن إزالة حالة التفاعل العاطفي سيجعل القضية تفقد زخمها وتأثيرها فكم شخص يتأثر بفلم أو مسرحية بعد رؤيتها للمرة العاشرة؟ وكم شخص مستعد لأن يقرأ مقالاً عن نفس الفكرة المستمدة من واقعة الطف كل عام؟ بينما مخيلة الإنسان لا محدودة ولا مقيدة وقدرتها على توليد التفاعل غير متناهية لذلك تبقى المصيبة حيّة بالشعر لأن الصورة تتولد مع حالتها العاطفية في نفس الإنسان، ومن هنا تفهم السبب الذي يدفعهم إلى فرض مفهوم "عقلنة الشعائر" فالهدف والغاية هو نزع الإنسان من إنسانيته الروحية والعاطفية وتحويله إلى آلة حاسبة لا تتفاعل ولا تتأثر إنما تستجيب بآلية ميكانيكية ومن ثم باسم احياء أمر الإمام الحسين (ع) تحوله إلى فلكور شعبي لا يختلف عن "الهالوين الغربي"، حتى يرضى عنك العالم الغربي ويعطيك المخالف صك مقبوليته!
إنك لا تجد في كل روايات أهل البيت عليهم السلام إلا التأكيد على حالة المأتمية والبكاء والإبكاء واحياء المصيبة واظهار التفجع والجزع والرثاء، وهذا يعبر عن حالة فهم عميقة لاستيراتيجية الحزن وتأثيره على إبقاء جذوة الانجذاب مشتعلة في النفس البشرية الحزينة بطبعها، وهو ما تؤكد عليه آيات قرآنية وروايات شريفة أيضًا. ولا تجد في رواياتهم ما يخالف ذلك ويعتبره أمرًا عرضيًا والأصل للمؤتمرات والأبحاث والمقالات والدراسات وباقي ما يندرج تحت عنوان "العقلنة والعصرنة"، فمصادرة توجيهات أهل البيت عليهم السلام لتوجيهات سياسية وحزبية ورؤى إنسانية ضيقة تنظر للمصالح الآنية لا يجوز، كما أن رمي تهمة التخلف والسقوط الحضاري على أساس ما يُقرأ على المنابر من مصائب أو ما تتم ممارسته من شعائر لا يدركونها بذوقهم واستحساناتهم التي يسمونها عقلاً - مجازًا!- هي مصادرة للمطلوب، ومغالطة بحد ذاتها تستبطن أمراً غير عقلاني وهو اعتبار المنابر الحسينية - وهي المنتمية لطائفة في ضمن عالم إسلامي عريض ساقط في وحل التخلف - لا الفشل الإداري والمالي والسياسي سببًا للإنحطاط!
خلاصة الأمر، دعوى عقلنة الشعائر هي دعوى شعاراتية، مائعة، وزئبقية تطلق لطلب رضا المخالف، ولتناسب ذوق المؤالف! وليست دعوى عقلية أبدًا لأن الشعائر في كثير منها ليس المخاطب بها العقل بل العقل مأمور بالتسليم والطاعة، فهل هناك سبب لعقلنة الحج أو عقلنة أركان الصلاة؟ وهل مرادات الشارع المقدس خاضعة لتبرير عقولنا؟ العقل غايته أن يوصلك لضرورة التسليم بالشرع فهو حاكم بالكليات وليس بالجزئيات ومحاولة إدخاله غصبًا للحكم على الجزئيات فيه جرأة على الإنسان الذي يتعدى وجوده هذا الوجود المادي الذي يسبح فيه العقل، وفيه إهانة للعقل الذي يدخل مجالاً خارج اختصاصه. إن مثل هؤلاء الدعاة كمثل من يطالب من قيس ان يعقلن حبه لليلى، فيصيغ لنا برهانيًا إنّيًا على كل صورة يريد صياغتها في بيت شعري، قبل أن يقوله!
إن المؤمنين يطلبون رضا الله وقبول مولاهم (ع) لا غيرهم ولا يكون ذلك الا باتباع التكليف الشرعي

•••


ورد في دعاء الندبة:
”.. فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما، فليبك الباكون، وإياهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضج الضاجون، ويعج العاجون ..“

خاص بالعاشقين

خاص بالعاشقين


بقلم: عباس بن نخي

----------


لا تقرأوا....
الأغراب عن ربوع الحب والولاء،
الضلّال في شعاب الأباطيل والأهواء، القابعون في زوايا الجهل وأركان الظلام.. حق أن تُغشى أبصاركم من سطع الأنوار، وتعمى قلوبكم من بهر الضياء، فتستوحشوا في مدن العشق والغرام، وتروا أنفسكم أجانب في سوح الهيام...
الذين لم يرتشفوا من زمزم حب المصطفى جرعة، لم يعتكفوا في حرم ولاء بنيه ساعة.. الذين ما دخلوا مع النبيين جنان الصاقورة، ولم يؤمنوا بهذا الغيب ليذوقوا من حدائقهم الباكورة، والذين لم يعهد منهم الوفاء، لم يتبعوا من أُلبس حلة الاصطفاء...
التائهون في دهاليز السلطة والمال،  اللاهثون وراء خفق النعال، المتهالكون على الجاه والشهرة، الغارقون في مجارير النفاق والسياسة، المركوسون في الدجل والنصب والاحتيال..


لا تقرأوا هذا المقال ولا تقربوا من هذي الحال، فلن تعودوا إلا بمزيد من التعاسة والشقاء، والبعد والبلاء...
دعوكم في حضيضكم الآسن، رهائن إصركم والأغلال، ابقوا حيث أنتم ولا تدنوا منا ولا تدخلوا فينا...

إننا نسمع قرع طبول الحرب الكونية، ورجع أبواقها ينادي: حيدر حيدر... فهل تسمعون؟!
نحن نرى الملائك شعثاً غبراً، تطفر في سمائها وقد طاش لبها وفقدت صوابها وأضاعت رشدها، فما عادت تدري ماذا تصنع، لا والله بل فعلت فجزعت،  فنهضت تؤدي بعض حق المصاب!.. فهل تنظرون؟!
إننا نشعر بالزلزال الذي سيقع فجر الغد، يهز عرش جبار السماوات والأرض، فيتداعى له كل شيء في الملك والملكوت، فكأن القيامة قد قامت.. فلا نملك إلا الفجعة والهلع.. فهل تشعرون؟!

في القدسي الذي تقشعر له جلود الذين آمنوا، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله: "لولا أطفال رضّع، وشيوخ ركع، وبهائم رتع، لصببت العذاب على أهل الأرض صباً"..
بهؤلاء يدفع البلاء...
وفي ملحمة العاشقين وربوع المحبين أوتاد مغروسة في عمق الولاء، تحيط بأصل الشجرة وجذرها، وأساطين منتصبة ترتكز على ذلك الأساس، تتلقى الصواعق والنوائب فتدفع ما حق أن يحل على بلاد وأمة قصّرت في واجب العزاء، وأوجبت على نفسها سخط الرب وغضب السماء...

إن الجازعين الذين سيروون الأرض من دمائهم صبيحة الغد، ينهضون (فيما يفعلون) بمهمة حفظكم وحراستكم، في أنفسكم وأعراضكم وبلادكم، أن يحل سخط الله عليكم... 
لن يفقه دجال يغرر وغراب ينعب وذئب يعوي وكلب ينبح، وبطر أشر، مترف مستكبر، ماذا نرى ونسمع، وكيف نشعر وندرك...

وبالفارسية لعلهم يفهمون:
"هر آن کسی که در این حلقه نیست زنده به عشق"
{من لم يكن معنا حياً في حلقة العشق هذه}
"بر او نمرده به فتوای من نماز کنید"
{صلوا عليه ـ بفتواي ـ صلاة الجنازة وإن لم يكن ميتاً}!


إنهم أموات، ونحن أحياء بالحسين:  "أشهد أنك قتلت ولم تمت، بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك، وبضياء نورك اهتدى الطالبون إليك"...
وأنتم أموات بغير الحسين مهما عظم (في أعينكم) "إمامكم" الذي استبدلتم به الحسين، ومهما تشدقتم وتنكرتم وكابرتم... أنتم أموات!










الخميس، 30 أكتوبر 2014

روحية مهزومة وأنفس ذليلة

روحية مهزومة وأنفس ذليلة


بقلم: عباس بن نخي


-------------
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: "اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحق، وولاية أهل الحق، فإن من استبدل به هلك". وعن الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوةٌ في دين، وحزْمٌ في لين، وإيمانٌ في يقين، وحرصٌ في فقه، ونشاطٌ في هدى، وبرٌّ في استقامة، وعلمٌ في حِلْم، وكيْسٌ في رفق... لا يُرى في حكمه نقصٌ ولا في رأيه وَهْنٌ، ولا في دينه ضياع..."
أن يراعي المؤمن المجتمع الذي يعيش فيه، فيمارس نشاطه وسلوكه ـ بما في ذلك شعائره الدينية ـ بكيفية تظهر حُسنه وزين أئمته وأربابه، وتوجب مقبوليته ومحبوبيته، وتنأى به عمّا يزري به ويشينه... فهذا أمر حسن ومطلوب، ومما أمر به الشرع ويحكم العقل، حتى إن باب "آداب العشرة" الذي تجده في مجاميعنا الروائية، يهدف فيما يهدف، خلق السلوك الاجتماعي السوي، والخُلق الديني الرفيع في التعاطي مع الآخر ومراعاة الظروف بما يحق الحق ويخدم الرسالة التي يحملها المؤمن.
ولكن الآفة، وما يشكل الخطر والبلاء هنا، ينشأ من أمرين:
الأول: الغفلة عن جوهر هذا الحكم، وعمق هذا التكليف.. ذلك حين تفسُد النية، فتنفصل حركة الجوارح عن تفاعلات الروح، ويقع الطلاق بين الظاهر والباطن، والافتراق بين السيرة والسريرة!.. يختلط الديني بالاجتماعي، وهذا بالسياسي، وكل ذلك بالتجاري والمالي، فلا تدري لماذا صلى الرجل مع القوم، ولم عاد مرضاهم وحضر جنائزهم؟ هل فعل ذلك من منطلق شرعي وخُلق ديني، أم قادته مصالح مالية وأغراض سياسية ومخاوف وهواجس دنيوية؟ هل فعله من فقه وقدرة ووعي وعزة، أم من جهل وعجز وضلال وذلة؟
الثاني: الإفراط والمبالغة في هذه "المراعاة" والذهاب إلى حد تمييع الشخصية وما يفضي إلى مسخ الهوية... فيتحول المؤمن في سيرته وتعاطيه مع الآخر إلى "ممثل"، كأنه يؤدي مشهداً في مسرحية، وفقاً للدور الذي يناط به! يفتقد نداوة الروح وطراوة الحس وسمو النفس، ويغدو آلة ميكانيكية تتحرك برتابة (وإن بانضباط) موغلة في الحسية والمادية! لا تعرف الحق في عمله من الباطل، ولا تميّز الصدق في حديثه من الكذب، ولا الأمانة في سلوكه من الخيانة!

إن من أخطر الحالات المرضية التي يمكن أن يعيشها المرء، ولا سيما إذا كان في موقع القيادة والريادة، الانطلاق في سلوكه ومواقفه من الخارج، ومحاكاة الخصم والعدو والآخر! لا الارتكاز على الروح والداخل، والامتثال للمبادئ والقيم والانطلاق من القناعات التي استقرت عليها النفس...
إنه مؤشر على الوهن الروحي والخواء النفسي، وعلامة على فقدان الهوية العقائدية واهتزاز الإيمان الذي يبني الركائز ويشيد القواعد!

يأتي موسم العزاء ومناسبة الشعائر الحسينية فيفقد القوم صوابهم ويذهبون في الهذي والتخريص ما شاء الشيطان، ينسون كل شيء في الذكرى، ويفرغونها من كل عطاء، ويكبون على نبذ هويتهم، ويتهالكون كيف عساهم أن يرضوا الآخرين؟ وماذا يفعلون حتى يعثروا على قواسم تجمعهم بهم وتشركهم معهم في عقائدهم وأحكامهم وآدابهم؟..
والحقيقة المرة في هذا الأداء، أن مهيضي الجناح والمتلونين المنقلبين هؤلاء لا يطيقون أن يكونوا "أقلية"، لذا يستميتون أن لا "ينفصلوا" عن مجتمعهم، ويُشار إليهم بما يميزهم عن المخالفين، وأن يعلق بهم ما يفردهم عن البيئة والمجموع والأغلبية المهيمنة! هكذا يسقط الوعي وتسحق الطليعية وتمتهن التقدمية على أيدي وتحت أرجل الدُعاة الذين يدّعون الحركية والسبق في الوعي والمبادرة إلى الجهاد!
لم ينطلق التعساء من حرص على دينهم، ولا قضّ مضاجعهم ما يتهدد مذهبهم!... إنهم ـ في واقعهم ـ يريدون العيش بعيداً عن تبعات التشيّع، ويسعون وراء ما يكفيهم مؤونة وكلفة حمل الرسالة والأمانة، ويعفيهم من ضريبة الحب والولاية!... ثم تراهم يدارون كل هذا العجز والضعف بعناوين إصلاح المذهب وذريعة نفي ما يشوهه!

من هنا فإن الحسين عند هؤلاء ثورة تجمعه بجيفارا، ومُصلح يثني عليه ويستشهد به غاندي... وأتباعه "إنسانيون" يتبرعون بالدم   للمرضى والجرحى، و"سلميون" ينبذون العنف والدموية التي في التطبير، ورحماء يبذلون أموالهم للفقراء بدل أن يقيموا بها المآتم ويطعموا المعزين، وفنانون يرسمون اللوحات ويعزفون الموسيقى، و"منضبطون" لا يتغيبون عن مواقع أعمالهم ومقاعد دراستهم في عاشوراء، و"نظيفون" يكنسون الشوارع ويجمعون القمامة!... إن الحسينيين في قاموس القوم: أي شيء يرسخ اندكاكهم في الهوية الإسلامية العامة البعيدة عن المذهبية، ويؤكد التحاقهم واندماجهم مع العادات والتقاليد العامة التي تحكم مجتمعاتهم، دون أية خصوصية تميزهم، وعقيدة تفرزهم! بل يغرقون فيما يسلخهم عن هويتهم الأصلية الشيعية، ويميّعهم، ويفرغ الولاية من جوهرها، ويضيع معالمها، ويبعدها عن كنهها الإلهي، ويجعلها غطاءً يداري عجزهم ويغطي ضعفهم وخورهم.

كم هو غريب أن يتنكر نجيب لطهارة مولده ويصر أن يلحق بالأدعياء!
كم هو مؤلم يعيش دعاة الثورية والحركية العجز ويعانون الوهن والخور!
كم هو مشين أن تستولي الذلة على مؤمن، فتغزوه في نفسه وتهزمه في روحيته!

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

التطبير يرعب المحتلين


المطبرون أول من قاوم إسرائيل في جنوب لبنان



"صورة نادرة" لأول عملية مقاومة "عفوية" في مدينة النبطية في لبنان 1983م


يروي هذه الحادثة سماحة الشيخ علي الكوراني العاملي - يوم عاشوراء من العام 1983م:
كانت مدينة النبطية محاصرة بالدبابات الإسرائيلية كبقية مدن لبنان المحتلة، وكان اليهود يسيرون دوريات في جيبات عسكرية داخل المدينة وخارجها.. وفي يوم عاشوراء زادوا دورياتهم وأضافوا إلى كل سيارة جيب سيارة شاحنة جنود، لأن النبطية تحتشد في يوم عاشوراء بالوافدين من أنحاء لبنان، لمشاهدة تمثيل مصرع الإمام الحسين ومواكب التطبير، وما أن دخلت الدورية الإسرائيلية (جيب عسكري وشاحنة) إلى داخل الساحة، حتى واجهها الناس بالهتافات المعادية، وكان موكب (الضرِّيبة) في مفرق طريق شوكين، فاتجهوا نحو الدورية، وكان القارئ يقرأ لهم بمكبر الصوت، فقرأ لهم عن موقف علي الأكبر بن الإمام الحسين عليهما السلام، وردد قوله لأبيه الحسين: ما دمنا على الحق فو الله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا!!
فزاد حماس موكب التطبير واتجهوا نحو الجنود الإسرائيليين هاتفين:
حيدر.. حيدر.. ملوحين بسيوفهم، وأكفانهم مضرجة بالدم.. فجن جنون اليهود، وحاولوا الهروب بسياراتهم فلم يستطيعوا فصدمت إحداها جداراً.. فنزلوا منها وتركوها وهربوا مشاة نحو قاعدتهم، وهم يطلقون الرصاص في الهواء كيفما كان! وتبعهم الناس بالأحجار، والمطبرين بالسيوف , وأشعل الفتيان النار في مركبة المحتل الصهيوني
قال محدثي: وبحث اليهود عن (حيدر) حتى عرفوا أنه اسم لعلي !! وقال: حدث في تلك المدة أن سيارة لبنانية انقلبت في الوادي في مدخل بلدة (أنصار) قرب نقطة الجيش الإسرائيلي، فنزل الجنود الإسرائيليون ورأوا السيارة مقلوبة على ظهرها، فقال أحد الجنود لركابها:أخرج من السيارة، أنت لاتموت! أنت تصيح: حيدر.. وتضرب نفسك بالسيف!!



______

مقالة جديرة بالقراءة...

الإسراف في خدمة الحسين (ع)

الإسراف في خدمة الحسين (ع)

بقلم : ع . ز


--------------


يقولون بأن المبلغ الكذائي الذي يُصرف على إطعام المعزين بأبي عبد الله (ع) يمكن لنا به تزويج عشرة عزّاب في أفريقيا أو إطعام مئة مسكين في الهند! ويقولون بأن مواكب الإطعام تسدّ الطريق وتؤذي المارة وتخلق الزحام! ويقولون بأن الإمام الحسين (ع) نهض لقضية وهذه الأفعال ليست من قضيته ... إلخ! وهذه كلها كلمات وشبهات تكرر في كل عام، ومع كل مناسبة دينية.
في الواقع يجب أن ننظر للقضية بعمق أكبر، حين تصدر هذه الدعاوى من أفراد من عموم المؤمنين قد نجد لهم فيها عذرًا وهي أن أحدهم قد تضايق أو أصابه شيء فكان منطلقه ردة فعل أو سوء قراءة أو وجهة نظر، وهذه الأمور لسنا ملزمين بردها لكونها موقف شخصي وحكمها حكم النادر، وحكم النادر كما تقرر في محله كالمعدوم، هذا أولاً، أمّا ثانيًا، فهو أن موقف شخص أو شخصين لا يلغي ولا يبدل أصل الحُكم، فعدم قدرة العجائز على الركوع في الصلاة أو الفقير على التصدق أو عدم رغبة العاصي في الصيام لا يلغي أصل الركوع بالصلاة، ولا ينفي استحباب التصدق، ولا يغيّر التكليف الواجب بالصوم، فهذه الأحكام عامة ومطلقة، ولا يصح تغييرها بل تسقط عند التعسر أو يخفف التكليف للمكلَّف (ولا يلغى أصل التكليف) وبحث هذا محله الفقه.
وقد تأتي هذه الدعاوى من مرضى القلوب الذين يحملون في قلوبهم شيئًا على الدين لكنهم يخافون اظهاره فيلعبون لعبة الاستخباء خلف: (قال فلان / أو لو كان كذا / أو إن الحسين عِبرة وليس عَبرة! / أو تنقية الشعائر والحرص عليها) وهي لعبة يمارسها حتى الوهابية في نقدهم للبكاء والشعائر الحسينية بعنوان (أين عقولكم يا رافضة؟) وكأنّ العقل اعتزل الناس وقرر المكث عند المجسمة الحشوية! هؤلاء، دعاة التنوير والعقلنة والتطور والحداثة ومستلزمات العصر والمتأثرين بزيف دعاوى المخالفين وطالبي القرب منهم، يكون جوابهم ليس في الجزئيات بل في الكليات وهي الأصل في الخضوع والتسليم للدين وأوامره ونواهيه، ومن الخطأ وضع أي وزن لأقوالهم بخصوص القضية الحسينية لأنهم يتعاملون معها من باب أنها قضية فلكورية وتأريخية أو نضالية وسياسية في أحسن الأحوال وليست حدثاً اهتز الوجود بسببه وبكى النبي الأعظم (ص) لأجله، وحث سادات الوجود (ع) على إحيائه، وتعزى الأنبياء بعزائه، فحديثهم عن الشعائر هو مجرد محطة يمارسون بها تفاهتهم الفكرية والتشكيكية المعتادة تجاه الدين لخوفهم من التصريح بحقيقة موقفهم منه ويتوارون خلف هذه الأقنعة.
وأخيرًا قد تأتي من فئة منظمة، أو تيار له هيكليته، أو جماعة لها فكرها الخاص، وهنا حينما نرى اتفاق مجموع المنتمين لهذه الفئة أو المنظمة أو الحزب .. إلخ على الاصرار على التحدث عن ظاهرة ما ويحملون عليها حملة رجلٍ واحد لا يكون هناك مجال للشك بأن العملية منظمة وليست عفوية ولها أهدافها:
فقد تكون لقياس مدى شعبية وتأثير هذا الحزب أو التيار في الشارع من خلال قياس انصياع الناس لدعاياتهم، وليس هذا بمستغرب بل هو معلوم ومشاهد لمن هو مطلع على دهاليز السياسة، وبه تكون المساومات السياسية مع الأطراف الأخرى.
وقد تكون لتخويف الناس حتى لا يجرؤوا على تنظيم تظاهرة شعبية عفوية كالمواكب الحسينية دون الرجوع إليهم وأخذ الموافقة منهم والخروج من تحت عباءتهم.
وقد تكون للمزايدة والاستئكال باسم أهل البيت (ع) فلا أحد يحق له خدمة أهل البيت (ع) إلا من خلال رؤيتهم، ولا التحدث عنهم (ع) إلا بنظرتهم، فأهل البيت (ع) حكر عليهم وفكر التشيع لا ينبت إلا من عندهم في غرف عمليات الحزب أو التيار!
وغيرها من الأمور لكن فيما مضى الكفاية.
وهنا نقاط يجب الإلتفات لها:
• الإمام الحسين (ع) وقضيته استثناء بكل حالاتها، فزيارته ضرورة بل أوجبها بعض الفقهاء، وزيارة الحسين (ع) لا تسقط حتى مع الخوف بل وبعض الفقهاء لا يسقطها حتى لو تيقن الزائر بالضرر البليغ، والجزع والتفّجع لمصاب الحسين (ع) مستحب، وإحياء شعائر الحسين (ع) مندوب، والدمعة على الحسين (ع) تطفىء نيران جهنم، كما أن الصلاة في حضرته الشريفة تامة حتى لو كان الزائر مسافراً، ولبس السواد لأجل مصيبته مستحب، وغيرها من الأحكام التي تبدلت عناوينها لدخولها بعنوان إحياء أمر الإمام الحسين (ع)، وهذا من خصائصه (ع)، فلا معنى لفرض أوليات تتقدم عليه!
• حكم الإسراف والتبذير يكون "بالحالات التي يصرف فيها الإنسان الأموال هدراً ولو كانت قليلة، بينما إذا صُرِفَ في محلِّه فلا يعتبر تبذيراً ولو كان كثيراً، ويعدُّ من الاقتصاد" فعن عن الصادق (ع): من أنفق شيئًا في غير طاعة الله فهو مبذر، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد. (البحار ٣٠٢/٧٧)
فلا منافاة ولا مزاحمة بين أعمال الخير، وليس هناك "مانعة جمع" حتى نقول بأن اطعام المؤمنين يتعارض مع تزويج العزاب وأن ذاك يعارض ويزاحم هذا! 

• إطعام المؤمنين ليس فيه إسراف ولا تبذير، ففي (مستدرك الوسائل / ج١٦) عن الصادق (ع): لو أن رجلاً أنفق على طعام ألف درهم وأكل منه مؤمن لم يعد سرفًا.
فما بالك لو كانوا "مؤمنين" وكانت النية هي الإطعام على حب الحسين (ع) وإهداء الثواب له، وكانت إحياءً لأمره، فهنا تتكاثر عناوين المستحبات.
وهو ما اكد عليه جملة من الفقهاء.

• إذا كانت دعوى الاسراف بالطعام هي الشعار وتحويلها للفقراء ألزم، فالأولى إغلاق المطاعم ومحاربتها لكونها تسرف بإعداد الطعام والناس في العالم يموتون جوعاً، والأولى محاربة الألبسة والسيارات والاكسسوارات المكلفة والتبرع بثمنها للفقراء، والأولى التيمم حفاظاً على الماء وعدم الاسراف به! بل يمتد الاشكال حتى للغبقات التي تقيمها الأحزاب والتيارات في مناسبتها لما يحدث فيها من إسراف وبأموال حقوق شرعية في بعض الأحيان! وهكذا ندخل بدائرة من المغالطات والأقيسة التي نهينا عنها وليست من فقهنا ولا من مذهبنا، فلكل إشكال جواب نقضي يرده، ولكل مغالطة مغالطة تقابلها، والدين لا يؤخذ بالقياس والاستحسان والمغالطات المخادعة، فانتبه.
• دعوى الإصلاح لا تكون بالمطالبة بالمنع، ودعوى التنظيم لا تكون بالهدم، بل الواجب الحث على مثل هذه الأمور وتكثيرها لأنها إحياء لأمر الحسين (ع) ودعوة له والعجب لا ينقضي ممن يفرح لأجل حدوثها في الغرب ويحاربها في بلده! نعم، هي تحتاج لتنظيم وهذا لازم ومطلوب وإن كان هناك من يرى فيها إسراف فعليه أن ينصح بتوزيع الفائض لموكب آخر، أو يوجه لمكان النقص حتى يُسدّ فتتوالد المواكب وتتكاثر بدلاً من أن تُحارب وتضمحل! هكذا تكون الخدمة الحسينية الحريصة وليست بدعاوى المحاربة والمناكفة والاتهامات المتبادلة في موسم الأحزان على مصابهم (ع).
• أخيراً، أسلوب "الحسين (ع) يريد .." و"الحسين (ع) لا يريد .." لا يصح استخدامه، فليس هناك أحد مخوّل بالحديث على لسان الإمام (ع) وتحديد مراده، والتقوّل على الإمام (ع) قد يدخل المؤمن في الكذب المحرّم ويصل إلى درجة إبطال الصيام لشدة حرمته، فانتبه أخي المؤمن / أختي المؤمنة من تنصيب نفسك مقام الإمام (ع)، وارجع للفقهاء العدول حرسهم الله لمعرفة تكليفك الشرعي، وما يريده الشرع منك، وإلتزم به بلا مخالفة ولا تحارب به احد، ولا تجعل من نفسك ندّاً لأحدٍ من الفقهاء العدول والعلماء الاعلام، فهم حجج الأئمة (ع) علينا كمقلدين.

• • • •

في حديث الصادق (ع) للمفضل: .. القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا، والحسن من كل أحد حسن، ومنك أحسن لمكانك منا».

هل تعلم لماذا يصدون عن البذل في عزاء الحسين ؟

هل تعلم لماذا يصدون عن البذل في عزاء الحسين ؟



بقلم: عباس بن نخي


---------------



"الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ" [الحديد:24]

تعددت جبهات محاربة الشعائر الحسينية وتكثرت، كما تعدد الناهضون فيها والمتصدون لها..
ففسقة يفترون على المراجع بفتاوى مزورة وآراء مكذوبة تحرم الجزع والتطبير، وحزبيون سياسيون يريدون تحويل الشعائر إلى محاضرات وندوات ومؤتمرات... 
ومؤخراً ـ وليس أخيراً ـ ظهرت أصوات تدعو الناس للكف عن البذل في هذا الطريق، وفيهم علماء وملتزمون لا يُطعن في دينهم، ولكن هناك شك كبير في بصيرتهم، وإدانة لقصور فهمهم وسذاجة رؤيتهم، وعجزهم عن قراءة شمولية واعية ترعى جميع جوانب القضية وحيثياتها، مما يؤثر في انتزاعاتهم وبالتالي مواقفهم...

وقد لجأ هؤلاء في سبيل كف الناس وصدّهم عن البذل في الشعائر الحسينية، ونقلهم إلى وجوه أخرى للبر، إلى لطائف الحيل و"معقول" الذرائع، كحرمة الإسراف، وعقد المقارنات التي تخلص إلى مرجحات وتثبت أولويات.. فقارنوا بين الإطعام في مأتم سيد الشهداء وبين إعانة الفقراء والمساكين، وبين الصرف على أثاث الحسينيات ومتاعها وبين تقديمها للمحتاجين...

بإمكان أي كان أن ينقض دعوى هؤلاء بعشرات الشواهد من موارد الإسراف الحرام في سلوكهم، أو في سلوك الدائرة اللصيقة بهم أو التي يتبعونها، حيث الولائم الملكية التي يصرف عليها من سهم الإمام (لا التبرعات التطوعية التي تقدم للحسينيات)، دون أن يسمع من أحدهم اعتراض ناهيك بإنكار؟! وهي جرائم مستمرة وفرص إنكارها قائمة وقادمة، ونحن بانتظار شجاعتهم وظهور بأسهم وغيرتهم على الدين وحرصهم على المال العام والحقوق الشرعية!
هكذا وقع هؤلاء في فخ الحزبيين من أعداء الشعائر الحسينية والحداثيين من أعداء الدين، الذين يحسبون للأمر على طريقتهم، فقطع الموارد المالية وضرب الجبهة الاقتصادية يسقط أي مشروع، 
على طريقة "لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا" [المنافقون:7]، هكذا يحدون من انتشار الشعائر ويقللون السواد في الحسينيات، ويجذبونهم إلى أنديتهم وجمعياتهم وتجمعاتهم المنحرفة الضاله المضلّة

 أما حقيقة الأمر والسر الخفي فيه، فيمكنك أن تستله من مداليل قصة "درهم شطيطة" الذي قبله الإمام الكاظم عليه السلام، وردّ صرر الدراهم والدنانير من أعيان الشيعة ووجهائهم!..

هناك من يبذل للحسينيات ويساهم في شعائر العزاء، والإمام عليه السلام لا يريد أمواله لشبهة فيها، أو لفساد سريرته وبطلان نيته، أو لأية علة أخرى، ولكنه عليه السلام منبع السماحة والرحمة، لا يصدّ ولا يرد أحداً.. وهنا يتحرك قانون الأسباب والمسببات ويمضي بتراتبية طبيعية، فيزيل الموانع أمام مقتضيات نداءات هذه الأبواق المريضة روحياً أو المعقدة نفسياً، أو المأخوذة بإغواء الحاشية اللصيقة، وإملاء البطانة المحيطة، وضجيج الأجواء المختلقة، فيتأثر أولئك بهؤلاء، ويكفوّن عن الدفع والبذل.

هكذا يحرمون، ويتحقق المطلوب!..

إن النداء الأصلي الذي لم يسمعه هذا الشيخ المعمم وذاك السيد العالم، ولا هذا الحاج المريد وذاك الشاب والتاجر، هو أن الحسين عليه السلام لا حاجة له بأموالكم، ولا يريد نصرة أضراب هؤلاء المشايخ والعلماء!
لا يريد من يعقد هذه المقارنات ويقول: مأتم الحسين أم الفقراء؟ تزويج العزاب أم الإطعام في الحسينيات؟ ويأخذه الخناق وهو يدين الإسراف الذي يتوهمه من شُح حضره وبخل غلبه!

أخي المؤمن، أختي المؤمنة:
هل تتصورون أن هذه المساهمات عشوائية لا يحكمها قانون وانتخاب واختيار؟ وأن من لم يكن من النخبة المنتجبة يمكنه أن يساهم في عمل هو الأعظم على الإطلاق؟ حيث يتسنم المؤمنَ آلُ محمد عليهم السلام، فهم أرباب العزاء وأصحاب المأتم، وخادم الحسين والباذل في هذا السبيل نائب ووكيل ينهض بدورهم!؟
فكروا في الفقير العراقي (الذي يتخذونة ذريعة ويدعون لتفضيله على مجلس الحسين) وقد جمع طيلة سنته ووفّر ما أمكنه من قوت عياله، فقاسى الضنك والعوز والجوع والعري والمرض... حتى يقدّم ما وفّر في طريق الحسين، تكتشفوا كم هي سخيفة وواهية دعوة هؤلاء المخترقين، غفر الله لهم، وأبعد عنهم شياطين الإنس والجن، لعلهم يهتدون. 
اللهم اجعلنا من المرحومين بالتوفيق لهذه الخدمة والشرف، ولا تجعلنا من المحرومين المخدوعين..

الأحد، 26 أكتوبر 2014

الحداثيون والشعائر الحسينية...إصلاح أم تخريب وإبادة؟

الحداثيون والشعائر الحسينية
إصلاح أم تخريب وإبادة؟



بقلم: عباس بن نخي

----------



الذين يعيبون البكاء ويعترضون على اللطم ويسفهون الجزع والإدماء، ويتحدثون عن قراءة عصرية ونظرة حديثة وعرض متجدد للقضية الحسينية بأدوات وتقنيات ووسائل أخرى غير التقليدية الموروثة التي تفتقر إلى لغة العصر وتعيش تخلفاً يشين ويسيء إليه المذهب...
هل طرحوا بديلاً عن هذه الممارسات، أو عمدوا إلى آلية أخرى (غير مشوِّهة وموهنة للدين كما يزعمون) تتكفل حمل القضية الحسينية وإبلاغها الأمة، ثم نقلها إلى الأجيال القادمة؟!
إنني هنا أجاري القوم في أطروحتهم تنزلاً، لأكشف زيفها وكذبها نقضاً (بعد الفراغ من دحضها حلّاً)، فهم ليسوا إصلاحيين، بل تخريبيين وتهديميين وإباديين! لا يحملون همّ الدين والمذهب، وكل ما هناك مصالح شخصية وحزبية تسحب الشعائر الحسينية البساط من تحتها، وتعريها وتظهرها على حقيقتها الباطلة، فبرزوا لها بالحرب والعداء.

هناك سؤال كبير ما زال يطرح نفسه بإلحاح، يقف فيه السائل حائراً متعجباً، فلا رد يأتيه ولا جواب!
هل في جعبتكم شيء غير النقد والاعتراض؟ هل في مشروعكم نقلة من الهدم إلى البناء؟ هل أنتم حقاً إصلاحيون كما تزعمون؟ أم متآمرون يريدون القضاء على الفكرة وإنهاء القصة وإغلاق ملف القضية؟

ماذا بعد الاعتراضات التي بدأت منذ نحو ثمانية عقود وما زالت كما هي تدور في دائرة إدانة الوضع القائم والنداء بفارغ القول ومجرد القرقعة ومحض الجعجعة بأن هذه الشعائر تسيء إلى قضية الحسين وتشوهها، وأنكم تملكون ما يحييها بصورة ناصعة ويخلدها بأدوات عصرية محببة؟
لقد تطور العالم الحديث الذي تنسبون أنفسكم إليه، فهل جاريتموه في شيء غير الأزياء ونمط العيش الغارق في الدنيوية؟ ودع عنك الصناعة والعمارة، هل واكبتموه في شيء من الفنون الجميلة كالرسم والنحت والشعر والمسرح والموسيقى والسينما؟
هل في جعبتكم عطاء علمي وثقافي يخدم قضية سيد الشهداء؟
هل من نتاج فني وأدبي عصري وحديث؟

هل انصرفت كوادركم المتكثرة والمشبعة من العلوم والثقافة الغربية إلى نتاجات عصرية حديثة بديلة عن النمط التقليدي الذي تدينون من الشعائر الحسينية؟
هل قدمت طاقاتكم المهولة التي تقف على جبال من الإمكانيات، شيئاً على أي صعيد، غير اجترار إحدى أنماط الشعائر الحسينية نفسها، ولكن عبر أشخاص موالين لكم (يتغير الخطيب والرادود، فيشاركون في المجلس ويرضون عن الحسينية)!؟

إن مشهد الطفل الرضيع وهو يتلقى السهم ويتضمخ بدمه على راحتي أبيه عليه السلام يستحق ويحتمل أكثر من عشرين فيلماً سنيمائياً طويلاً، وهكذا مشاهد الوداع والمصرع وتوبة الحر وحصار مسلم بن عقيل وما إلى ذلك مما أبدع فيه الشعراء والراثون والخطباء الحسينيون، فتتلقاهم الجماهير المؤمنة بالبكاء والجزع واللطم والإدماء... هل أنتجتم شيئاً من هذه الأفلام؟ هل خطوتم خطوة في هذا الطريق العصري الحديث الذي تدعون، هل كتبتم سيناريو واحداً لمشاريع هذه الأعمال الفنية؟ أم هو مجرد كلام وهدم يريد تقويض المنابر والشعائر فحسب؟
ألا تشعرون بالخجل والعار أن لا مسرحية عن واقعة الطف غير تلك التي كتبها عبدالرحمن الشرقاوي المصري "الحُسَيْن ثائراً وشهيداً"؟ ألا تخجلون من أنفسكم وتستشعرون الخواء والعجز الذي لو كان في شريف منكم لأمسك عن الاعتراض والنقد ولاذ بصمته ولم ينبس ببنت شفة.
أليس من العار عليكم أن تخلو الساحة الموسيقية التي تبيحون ولا ترون فيها ضيراً ولا غضاضة، ولا أمامها عائقاً شرعياً، من نتاج يحكي الواقعة، إلا معزوفة الأستاذ جواد معروفي على البيانو "عاشوراء" ؟
هل عقمت أرحام النساء منكم أن تلد مثل الوتر محمود فرشجيان لترسم لوحة "عصر عاشوراء" ؟
(وهو ليس منكم، بل تقليدي في دينه وعقيدته)!

كم لوحة ومنحوتة وجدارية ونصب تحتملها واقعة الطف؟ أين نتاجكم؟ بل أين محاولاتكم غير تلك العبثية التي تزري بالفن قبل أن تنال من الشعائر وهي تجمع الأطفال في محترفات ارتجالية لمجرد إبعادهم عن الحسينيات وإشغالهم بما يلهيهم؟
لماذا لا يوجد فيلم سينمائي واحد عن واقعة الطف على مستوى "قلب الأسد" (Brave Heart) الذي يحكي قصة الثائر الأسكتلندي "وليام ولاس"، لـ "ميل جبسون"؟ أو حتى فيلمه الآخر الأقل جودة فنية "آلام المسيح"؟!
هلّا قدمت مدرستكم شيئاً غير التبجح والهراء! مجرد نقد واعتراض، ثم لا إنتاج ولا عطاء... اللهم إلا أن تعلنوها صريحة وتخرجوا من النفاق إلى الكفر البواح، بأنكم تريدون إنهاء ذكر الفاجعة وطي صفحتها، وما هذه الدعاوى "الإصلاحية" إلا تحايل والتفاف وتلفيق يداري تلك الحقيقة التي تخفون!

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

خدام الحسين...لن يُخدعوا عن جبهتهم!

خدام الحسين... لن يُخدعوا عن جبهتهم!



بقلم: عباس بن نخي


-------------




الطليعة المتقدمة في إحياء الشعائر، رواد العزاء وقادة البذل والعطاء، الذين يتقدمون مسيرة البكاء واللطم والجزع والإدماء...
كل مؤمن يعشق سيد الشهداء ويلتزم أداء الشعائر الحسينية بما يمليه الحب والولاء، وكما تأمر الشريعة الغراء، بل بما يقتضيه نقاء الفطرة وتفرضه سلامة الروح، وما يترتب على الطهارة والنجابة...


إن الهزيمة النكراء التي مني بها أعداء الشعائر في السنوات الأخيرة، والعجز المشهود الذي نالهم، والفشل الذريع الذي طالهم، أوقعهم في الحرج أمام آمرهم وقائدهم، الذي أشعل الحرب وأرسلهم يفتعلون الفتن والمعارك، ما شق الساحة الشيعية وشرذمها وبدد طاقاتها في جبهات وهمية.. أُسقط في أيديهم وهم يرون الشعائر في ألَق وازدهار، والتفاني في إذكائها في اطّراد وازدياد، والحرص عليها يندك في النفوس ويقترن بالوجود..
فالثقافة الحسينية الأصيلة أصبحت في متناول عامة الناس، والساحة الإيمانية بمختلف شرائحها وطبقاتها وقفت على عظمة الكنز الذي ورثته من أسلافها وتلقته جيلاً بعد جيل، وكشفت زيف وخواء أعداء الشعائر الذين يصطفون ـ أرادوا أم لم يريدوا ـ مع مستهدفي الحسينيات ومفجري المواكب وقتلة الزوار! ومجالس العزاء ومظاهر الجزع ومواكب التطبير تتنامى وتتضاعف، وحجم البذل المالي يبلغ أرقاماً قياسية (والفقير يقدم كل مدخراته، والقوم يتباكون على عوز الفقراء ويقدمونه كبديل عن البذل في مآتم العزاء! فيا للشقاء!)، والأمة في نشوة عشق المولى والمسارعة والتاسبق في هذا الميدان الملكوتي الأقدس.


إنهم يعيشون الاندحار ويستوطنهم الفشل وتتملكهم الهزيمة.. لذا تراهم في تشنج وهستيريا ومواقف وخطوات تصعيدية تنذر بقرب هلاكهم وتنم عن يأس، ويائس بائس ينادي: علَيَّ وعلى أعدائي!
وهنا مقام النباهة والبصيرة، ومحل الوعي والحكمة:


لن ننجر إلى معارك يستدرجوننا إليها..
لن ننشغل بمهاترات تقلب النزاع وتجر الخلاف إلى الشخصانية..
لن ندافع عن غير الحسين ورسالته وعزائه وشعائره..
سوف ننصرف إلى شأننا ونركز على نشاطنا، ونقدّم أقصى ما يسعنا لنرضي إمامنا ووليّنا، وبالتالي ربنا وإلهنا الذي عقد رضاه برضاهم: رضا الله رضانا أهل البيت.

سنعض على الجراح، ونكتم غصتنا ولوعتنا من سيل الأكاذيب والافتراءات التي يوجهونها إلينا، وهم يصوروننا حالة من العجز والقعود والإخلاد إلى الأرض، مقابل الجهاد والتضحية والفداء (وجلهم ثوارٌ كتبة ومترفون منعّمون!)... وجحافل اللطامين والجازعين والمطبرين تملأ ساحات النضال وتلتحق بصف الجهاد عندما أمر به نائب حقيقي لإمام الزمان، فلم يتخلف أصحاب المواكب ولم يتردد الحسينيون حتى أعلنت الجبهات كفايتها، وما زالوا يتظاهرون ويعتصمون ومطلبهم الوحيد الإفساح لهم للالتحاق بركب الجهاد!

سنكتم الآلام ونجحد الغصة من عدوان أشقاء نذروا أنفسهم لحربنا، بافتراءات يقلبون فيها الحقائق، بلغت تزييف فتاوى المراجع العظام وتحريفها، ناهيك بقراءات واهية وتحليلات سخيفة واستطلاعات اجتماعية وهمية عن التشويه الذي يزعمون أننا نلحقه بديننا ومذهبنا!
سنفرغ غضبنا على الشيطان وأوليائه، ولا شيء يرغمه كإحياء الشعائر الحسينية.. وسنطفئ غضب الله على إخوتنا الذين يتبعون الضالين بدموع نهرقها على مصاب الحسين، وسنمضي متعالين شامخين، فمن مثلنا وقد جعلنا الله في المرحومين وجعلهم من المحرومين!؟






الجمعة، 20 يونيو 2014

بيان تحذيري من مدراس #التبيان_وكر_الشيطان

     
بيـانُ تـحـذيــرٍ مـــن
 " مدراس التبيان " وكر الشيطان

أخي المؤمن، أختي المؤمنة:
إنّ عطايا الله سبحانه تدوم بالشكر له، والشكر له أنواع من أوائلها حفظ الأمانات التي أودعها سبحانه وتعالى لدينا ومنها الإيمان والولاية والذريّة، والإساءة لأي منها هو إخلالٌ بعلاقتنا مع الله سبحانه وتعالى وكفرٌ بالنعمة التي حبانا بها، وعليه فهذا تنبيه وتحذير من مدراس التبيان وكر الشيطان الذي يعمل على سلب أبنائنا من نعمة الإيمان والولاية ويحوّل شكرنا لله سبحانه إلى كفر وطغيان. إنّ مدراس التبيان يعلّم أبناءنا:
1-      التعدّي على علمائنا ومراجعنا وخطبائنا فهم يتهمون على سبيل المثال لا الحصر شيخ الطائفة الطوسي قدس سره بأنه السبب في القول بمحدودية علم الكتاب، واستيلاء الجهل على الأمة، وتبني الفكرة المروية عن مذهب الرأي والسقيفة! (راجع كتيّب "التأويل فوق النقد" الصادر من مدراس التبيان ص 68-69).
2-      أن من يتبّع منهجهم التأويلي الباطل فهو يوحى إليه بواسطة جبرائيل (ع) وتنزل عليه الآيات!: ففي منهجهم وهو كتاب "التأويل" لأحمد البحراني ص 56: "النزول الذي يقوم به الوحي القرآني الناتج عن عملي استنطاق النص، فهو نزول ينسب إلى جبرائيل باعتبار أن نزول القرآن منسوب إليه، وهذا النزول الذي يقوم إلى جانب النزول المباشر، يمكن الاصطلاح عليه بالنزول الغير مباشر، أو بالنزول التأويلي .... وأيُّ تشكُّل للنص منضبط بالمنهج يعتبر إنزالاً، لذلك نسبت الآيات النازلة تأويلاً إلى جبرائيل".
3-      أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ليس سوى ناطق بالوحي ويتماثل مع المسلمين في هذه الظاهرة!: تقول لجنة التأليف في مدراس التبيان بكتابها "التأويل فوق النقد" ص 80: "وما الرسول إلا مستنطق للكتاب، وترجمان لمنطقه، وهذه الترجمة متاح للجميع أن يمارسها" وشيخهم البحراني في كتابه (التأويل) ص 265يقول: "... علم التأويل متاح للجميع، ولا يقتصر على فئة دون أخرى"، والمقصود بـ"فئة دون أخرى" أي الرسول وأهل بيته عليهم السلام، يقول شيخهم البحراني في كتاب "التأويل" ص 55: "فالمسلم كبشر يتماثل مع الرسول ويشاركه في ظاهرة الوحي بالمفهوم التأويلي".
4-      أن أئمة أهل البيت عليهم السلام فقدوا مقام الإمامة بعد السقيفة وهم ليسوا أكثر من ممارسي لعملية التأويل على قدم المساواة مع النبي والصحابة!: تقول لجنة التأليف في كتيّب "التأويل فوق النقد" ص 69: "بينما انقلاب السقيفة الذي أطاح بالبيت النبوي من مقام الإمامة" ويقول شيخهم البحراني في كتابه "التأويل" ص 613: "النظم أو التأليف ھو الذي تلخصت به العملية الفقهية الأولى التي مارسها الرسول والصحابة، واستقام عليها أئمة أهل البيت، فقاموا بإنزال الآيات كما يهدي إليها التناظر القائم بينها، ثم تأليف تلك الآيات.."
5-      أن القرآن الكريم نص مفتوح للزيادة!: في كتاب التأويل لشيخهم البحراني ص 56: "فالقرآن في نزول مستمر" وفي ص 55: "وكانت الآيات المستحدثة التي يبينها القرآن من خلال أمره للفقيه وحيًا" وفي ص 53: "هذا الوحي حين تتلقاه آذان العقول يمكن حينها أن توكل ترجمته إلى اللسان" وفي ص 54: "وفتوى الكتاب المؤول سوف تكون في دلالتها قاطعة وفي حكمها حاسمة غير ظنية وإنما يقينية جازمة بل هي نصوص منزلة"!
6-      أن تقويل رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يقل جائز، بل ويجب اعتباره كالحديث النبوي من حيث الصدور ولو كان كذبًا!: يقول شيخهم البحراني في كتابه "التأويل" الذي هو منهج مدراس التبيان ص 66: "... وتعيين الحديث في الفكرة القرآنية يتيح لكل إنسان أن يستنبط الفكرة القرآنية، وهو ما يمكنه من صناعة وانتاج الحديث. ويجيز له في نهاية المطاف نسبته إلى الرسول باعتباره حديثًا نبويًا دون أن يكون هناك شرط التلفظ الفعلي للرسول ..."
7-      أن شخصية النبي صلى الله عليه وآله غير قادرة على التعامل مع النص القرآني وانه يجب أن يفسح المجال للأمة للقيام بذلك: كما في ص 67 من كتاب "التأويل": "وطبيعة النص القرآني اللا متناهية، تجعل استنزاف ذخيرته الفكرية خارج قدرة الرسول. وهو ما يفرض عليه أن يفسح المجال للأمة، بعد تمكينها من تقنية الاستنباط، من أن تتابع الاستنباط لتلبية حاجاتها من الأفكار القرآنية (الأحاديث) فيكون لكل جيل هذه الإمكانية التي تخوله من الأخذ من أفكار القرآن بما يتناسب مع متطلبات عصره".

·         الأخوة المؤمنون، الأخوات المؤمنات:
ما ذُكر هنا هو قليل وغيض من فيض مما يُعلّمهُ القائمون على (مدراس التبيان) وكر الشيطان لأبنائنا في دوراتهم الصيفية ومخيماتهم الربيعية ومحاضراتهم في مراكز المدراس المختلفة، ولا يسع المجال لذكر كل الضلالات والانحرافات التي يحويها منهجهم الباطل ويخشون من التصريح بها علنًا، وبإمكانكم سؤال علماء الكويت الأفاضل وأئمة الجماعة عنهم ليجيبوكم عن انحرافاتهم وضلالاتهم، وما هذا البيان إلا تنبيه وتحذير لكم أيها المؤمنون والمؤمنات من الانسياق خلف دعاياتهم الباطلة عن تعليم القرآن الكريم والمحكم والمتشابه والتأويل خصوصًا بعد أن ثبت بالدليل ارتباط هذه الجماعة بجماعة دجال البصرة مدعي اليمانية والمهدوية أحمد الحسن، فلا تغرنّكم عمامة معممهم القلاف الذي يهرب من مقابلة ومواجهة علماء الكويت ولا خطابيات اتباعه ذوي اللسان البذيء فإنهم مصائد إبليس وحبائل الشيطان في صدكم عن طريق الإيمان.
شعبان 1435 هـ
يونيو 2014 م
جماعة من المؤمنين 

للمراسلة: