الخميس، 30 أكتوبر 2014

روحية مهزومة وأنفس ذليلة

روحية مهزومة وأنفس ذليلة


بقلم: عباس بن نخي


-------------
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: "اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحق، وولاية أهل الحق، فإن من استبدل به هلك". وعن الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوةٌ في دين، وحزْمٌ في لين، وإيمانٌ في يقين، وحرصٌ في فقه، ونشاطٌ في هدى، وبرٌّ في استقامة، وعلمٌ في حِلْم، وكيْسٌ في رفق... لا يُرى في حكمه نقصٌ ولا في رأيه وَهْنٌ، ولا في دينه ضياع..."
أن يراعي المؤمن المجتمع الذي يعيش فيه، فيمارس نشاطه وسلوكه ـ بما في ذلك شعائره الدينية ـ بكيفية تظهر حُسنه وزين أئمته وأربابه، وتوجب مقبوليته ومحبوبيته، وتنأى به عمّا يزري به ويشينه... فهذا أمر حسن ومطلوب، ومما أمر به الشرع ويحكم العقل، حتى إن باب "آداب العشرة" الذي تجده في مجاميعنا الروائية، يهدف فيما يهدف، خلق السلوك الاجتماعي السوي، والخُلق الديني الرفيع في التعاطي مع الآخر ومراعاة الظروف بما يحق الحق ويخدم الرسالة التي يحملها المؤمن.
ولكن الآفة، وما يشكل الخطر والبلاء هنا، ينشأ من أمرين:
الأول: الغفلة عن جوهر هذا الحكم، وعمق هذا التكليف.. ذلك حين تفسُد النية، فتنفصل حركة الجوارح عن تفاعلات الروح، ويقع الطلاق بين الظاهر والباطن، والافتراق بين السيرة والسريرة!.. يختلط الديني بالاجتماعي، وهذا بالسياسي، وكل ذلك بالتجاري والمالي، فلا تدري لماذا صلى الرجل مع القوم، ولم عاد مرضاهم وحضر جنائزهم؟ هل فعل ذلك من منطلق شرعي وخُلق ديني، أم قادته مصالح مالية وأغراض سياسية ومخاوف وهواجس دنيوية؟ هل فعله من فقه وقدرة ووعي وعزة، أم من جهل وعجز وضلال وذلة؟
الثاني: الإفراط والمبالغة في هذه "المراعاة" والذهاب إلى حد تمييع الشخصية وما يفضي إلى مسخ الهوية... فيتحول المؤمن في سيرته وتعاطيه مع الآخر إلى "ممثل"، كأنه يؤدي مشهداً في مسرحية، وفقاً للدور الذي يناط به! يفتقد نداوة الروح وطراوة الحس وسمو النفس، ويغدو آلة ميكانيكية تتحرك برتابة (وإن بانضباط) موغلة في الحسية والمادية! لا تعرف الحق في عمله من الباطل، ولا تميّز الصدق في حديثه من الكذب، ولا الأمانة في سلوكه من الخيانة!

إن من أخطر الحالات المرضية التي يمكن أن يعيشها المرء، ولا سيما إذا كان في موقع القيادة والريادة، الانطلاق في سلوكه ومواقفه من الخارج، ومحاكاة الخصم والعدو والآخر! لا الارتكاز على الروح والداخل، والامتثال للمبادئ والقيم والانطلاق من القناعات التي استقرت عليها النفس...
إنه مؤشر على الوهن الروحي والخواء النفسي، وعلامة على فقدان الهوية العقائدية واهتزاز الإيمان الذي يبني الركائز ويشيد القواعد!

يأتي موسم العزاء ومناسبة الشعائر الحسينية فيفقد القوم صوابهم ويذهبون في الهذي والتخريص ما شاء الشيطان، ينسون كل شيء في الذكرى، ويفرغونها من كل عطاء، ويكبون على نبذ هويتهم، ويتهالكون كيف عساهم أن يرضوا الآخرين؟ وماذا يفعلون حتى يعثروا على قواسم تجمعهم بهم وتشركهم معهم في عقائدهم وأحكامهم وآدابهم؟..
والحقيقة المرة في هذا الأداء، أن مهيضي الجناح والمتلونين المنقلبين هؤلاء لا يطيقون أن يكونوا "أقلية"، لذا يستميتون أن لا "ينفصلوا" عن مجتمعهم، ويُشار إليهم بما يميزهم عن المخالفين، وأن يعلق بهم ما يفردهم عن البيئة والمجموع والأغلبية المهيمنة! هكذا يسقط الوعي وتسحق الطليعية وتمتهن التقدمية على أيدي وتحت أرجل الدُعاة الذين يدّعون الحركية والسبق في الوعي والمبادرة إلى الجهاد!
لم ينطلق التعساء من حرص على دينهم، ولا قضّ مضاجعهم ما يتهدد مذهبهم!... إنهم ـ في واقعهم ـ يريدون العيش بعيداً عن تبعات التشيّع، ويسعون وراء ما يكفيهم مؤونة وكلفة حمل الرسالة والأمانة، ويعفيهم من ضريبة الحب والولاية!... ثم تراهم يدارون كل هذا العجز والضعف بعناوين إصلاح المذهب وذريعة نفي ما يشوهه!

من هنا فإن الحسين عند هؤلاء ثورة تجمعه بجيفارا، ومُصلح يثني عليه ويستشهد به غاندي... وأتباعه "إنسانيون" يتبرعون بالدم   للمرضى والجرحى، و"سلميون" ينبذون العنف والدموية التي في التطبير، ورحماء يبذلون أموالهم للفقراء بدل أن يقيموا بها المآتم ويطعموا المعزين، وفنانون يرسمون اللوحات ويعزفون الموسيقى، و"منضبطون" لا يتغيبون عن مواقع أعمالهم ومقاعد دراستهم في عاشوراء، و"نظيفون" يكنسون الشوارع ويجمعون القمامة!... إن الحسينيين في قاموس القوم: أي شيء يرسخ اندكاكهم في الهوية الإسلامية العامة البعيدة عن المذهبية، ويؤكد التحاقهم واندماجهم مع العادات والتقاليد العامة التي تحكم مجتمعاتهم، دون أية خصوصية تميزهم، وعقيدة تفرزهم! بل يغرقون فيما يسلخهم عن هويتهم الأصلية الشيعية، ويميّعهم، ويفرغ الولاية من جوهرها، ويضيع معالمها، ويبعدها عن كنهها الإلهي، ويجعلها غطاءً يداري عجزهم ويغطي ضعفهم وخورهم.

كم هو غريب أن يتنكر نجيب لطهارة مولده ويصر أن يلحق بالأدعياء!
كم هو مؤلم يعيش دعاة الثورية والحركية العجز ويعانون الوهن والخور!
كم هو مشين أن تستولي الذلة على مؤمن، فتغزوه في نفسه وتهزمه في روحيته!

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

التطبير يرعب المحتلين


المطبرون أول من قاوم إسرائيل في جنوب لبنان



"صورة نادرة" لأول عملية مقاومة "عفوية" في مدينة النبطية في لبنان 1983م


يروي هذه الحادثة سماحة الشيخ علي الكوراني العاملي - يوم عاشوراء من العام 1983م:
كانت مدينة النبطية محاصرة بالدبابات الإسرائيلية كبقية مدن لبنان المحتلة، وكان اليهود يسيرون دوريات في جيبات عسكرية داخل المدينة وخارجها.. وفي يوم عاشوراء زادوا دورياتهم وأضافوا إلى كل سيارة جيب سيارة شاحنة جنود، لأن النبطية تحتشد في يوم عاشوراء بالوافدين من أنحاء لبنان، لمشاهدة تمثيل مصرع الإمام الحسين ومواكب التطبير، وما أن دخلت الدورية الإسرائيلية (جيب عسكري وشاحنة) إلى داخل الساحة، حتى واجهها الناس بالهتافات المعادية، وكان موكب (الضرِّيبة) في مفرق طريق شوكين، فاتجهوا نحو الدورية، وكان القارئ يقرأ لهم بمكبر الصوت، فقرأ لهم عن موقف علي الأكبر بن الإمام الحسين عليهما السلام، وردد قوله لأبيه الحسين: ما دمنا على الحق فو الله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا!!
فزاد حماس موكب التطبير واتجهوا نحو الجنود الإسرائيليين هاتفين:
حيدر.. حيدر.. ملوحين بسيوفهم، وأكفانهم مضرجة بالدم.. فجن جنون اليهود، وحاولوا الهروب بسياراتهم فلم يستطيعوا فصدمت إحداها جداراً.. فنزلوا منها وتركوها وهربوا مشاة نحو قاعدتهم، وهم يطلقون الرصاص في الهواء كيفما كان! وتبعهم الناس بالأحجار، والمطبرين بالسيوف , وأشعل الفتيان النار في مركبة المحتل الصهيوني
قال محدثي: وبحث اليهود عن (حيدر) حتى عرفوا أنه اسم لعلي !! وقال: حدث في تلك المدة أن سيارة لبنانية انقلبت في الوادي في مدخل بلدة (أنصار) قرب نقطة الجيش الإسرائيلي، فنزل الجنود الإسرائيليون ورأوا السيارة مقلوبة على ظهرها، فقال أحد الجنود لركابها:أخرج من السيارة، أنت لاتموت! أنت تصيح: حيدر.. وتضرب نفسك بالسيف!!



______

مقالة جديرة بالقراءة...

الإسراف في خدمة الحسين (ع)

الإسراف في خدمة الحسين (ع)

بقلم : ع . ز


--------------


يقولون بأن المبلغ الكذائي الذي يُصرف على إطعام المعزين بأبي عبد الله (ع) يمكن لنا به تزويج عشرة عزّاب في أفريقيا أو إطعام مئة مسكين في الهند! ويقولون بأن مواكب الإطعام تسدّ الطريق وتؤذي المارة وتخلق الزحام! ويقولون بأن الإمام الحسين (ع) نهض لقضية وهذه الأفعال ليست من قضيته ... إلخ! وهذه كلها كلمات وشبهات تكرر في كل عام، ومع كل مناسبة دينية.
في الواقع يجب أن ننظر للقضية بعمق أكبر، حين تصدر هذه الدعاوى من أفراد من عموم المؤمنين قد نجد لهم فيها عذرًا وهي أن أحدهم قد تضايق أو أصابه شيء فكان منطلقه ردة فعل أو سوء قراءة أو وجهة نظر، وهذه الأمور لسنا ملزمين بردها لكونها موقف شخصي وحكمها حكم النادر، وحكم النادر كما تقرر في محله كالمعدوم، هذا أولاً، أمّا ثانيًا، فهو أن موقف شخص أو شخصين لا يلغي ولا يبدل أصل الحُكم، فعدم قدرة العجائز على الركوع في الصلاة أو الفقير على التصدق أو عدم رغبة العاصي في الصيام لا يلغي أصل الركوع بالصلاة، ولا ينفي استحباب التصدق، ولا يغيّر التكليف الواجب بالصوم، فهذه الأحكام عامة ومطلقة، ولا يصح تغييرها بل تسقط عند التعسر أو يخفف التكليف للمكلَّف (ولا يلغى أصل التكليف) وبحث هذا محله الفقه.
وقد تأتي هذه الدعاوى من مرضى القلوب الذين يحملون في قلوبهم شيئًا على الدين لكنهم يخافون اظهاره فيلعبون لعبة الاستخباء خلف: (قال فلان / أو لو كان كذا / أو إن الحسين عِبرة وليس عَبرة! / أو تنقية الشعائر والحرص عليها) وهي لعبة يمارسها حتى الوهابية في نقدهم للبكاء والشعائر الحسينية بعنوان (أين عقولكم يا رافضة؟) وكأنّ العقل اعتزل الناس وقرر المكث عند المجسمة الحشوية! هؤلاء، دعاة التنوير والعقلنة والتطور والحداثة ومستلزمات العصر والمتأثرين بزيف دعاوى المخالفين وطالبي القرب منهم، يكون جوابهم ليس في الجزئيات بل في الكليات وهي الأصل في الخضوع والتسليم للدين وأوامره ونواهيه، ومن الخطأ وضع أي وزن لأقوالهم بخصوص القضية الحسينية لأنهم يتعاملون معها من باب أنها قضية فلكورية وتأريخية أو نضالية وسياسية في أحسن الأحوال وليست حدثاً اهتز الوجود بسببه وبكى النبي الأعظم (ص) لأجله، وحث سادات الوجود (ع) على إحيائه، وتعزى الأنبياء بعزائه، فحديثهم عن الشعائر هو مجرد محطة يمارسون بها تفاهتهم الفكرية والتشكيكية المعتادة تجاه الدين لخوفهم من التصريح بحقيقة موقفهم منه ويتوارون خلف هذه الأقنعة.
وأخيرًا قد تأتي من فئة منظمة، أو تيار له هيكليته، أو جماعة لها فكرها الخاص، وهنا حينما نرى اتفاق مجموع المنتمين لهذه الفئة أو المنظمة أو الحزب .. إلخ على الاصرار على التحدث عن ظاهرة ما ويحملون عليها حملة رجلٍ واحد لا يكون هناك مجال للشك بأن العملية منظمة وليست عفوية ولها أهدافها:
فقد تكون لقياس مدى شعبية وتأثير هذا الحزب أو التيار في الشارع من خلال قياس انصياع الناس لدعاياتهم، وليس هذا بمستغرب بل هو معلوم ومشاهد لمن هو مطلع على دهاليز السياسة، وبه تكون المساومات السياسية مع الأطراف الأخرى.
وقد تكون لتخويف الناس حتى لا يجرؤوا على تنظيم تظاهرة شعبية عفوية كالمواكب الحسينية دون الرجوع إليهم وأخذ الموافقة منهم والخروج من تحت عباءتهم.
وقد تكون للمزايدة والاستئكال باسم أهل البيت (ع) فلا أحد يحق له خدمة أهل البيت (ع) إلا من خلال رؤيتهم، ولا التحدث عنهم (ع) إلا بنظرتهم، فأهل البيت (ع) حكر عليهم وفكر التشيع لا ينبت إلا من عندهم في غرف عمليات الحزب أو التيار!
وغيرها من الأمور لكن فيما مضى الكفاية.
وهنا نقاط يجب الإلتفات لها:
• الإمام الحسين (ع) وقضيته استثناء بكل حالاتها، فزيارته ضرورة بل أوجبها بعض الفقهاء، وزيارة الحسين (ع) لا تسقط حتى مع الخوف بل وبعض الفقهاء لا يسقطها حتى لو تيقن الزائر بالضرر البليغ، والجزع والتفّجع لمصاب الحسين (ع) مستحب، وإحياء شعائر الحسين (ع) مندوب، والدمعة على الحسين (ع) تطفىء نيران جهنم، كما أن الصلاة في حضرته الشريفة تامة حتى لو كان الزائر مسافراً، ولبس السواد لأجل مصيبته مستحب، وغيرها من الأحكام التي تبدلت عناوينها لدخولها بعنوان إحياء أمر الإمام الحسين (ع)، وهذا من خصائصه (ع)، فلا معنى لفرض أوليات تتقدم عليه!
• حكم الإسراف والتبذير يكون "بالحالات التي يصرف فيها الإنسان الأموال هدراً ولو كانت قليلة، بينما إذا صُرِفَ في محلِّه فلا يعتبر تبذيراً ولو كان كثيراً، ويعدُّ من الاقتصاد" فعن عن الصادق (ع): من أنفق شيئًا في غير طاعة الله فهو مبذر، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد. (البحار ٣٠٢/٧٧)
فلا منافاة ولا مزاحمة بين أعمال الخير، وليس هناك "مانعة جمع" حتى نقول بأن اطعام المؤمنين يتعارض مع تزويج العزاب وأن ذاك يعارض ويزاحم هذا! 

• إطعام المؤمنين ليس فيه إسراف ولا تبذير، ففي (مستدرك الوسائل / ج١٦) عن الصادق (ع): لو أن رجلاً أنفق على طعام ألف درهم وأكل منه مؤمن لم يعد سرفًا.
فما بالك لو كانوا "مؤمنين" وكانت النية هي الإطعام على حب الحسين (ع) وإهداء الثواب له، وكانت إحياءً لأمره، فهنا تتكاثر عناوين المستحبات.
وهو ما اكد عليه جملة من الفقهاء.

• إذا كانت دعوى الاسراف بالطعام هي الشعار وتحويلها للفقراء ألزم، فالأولى إغلاق المطاعم ومحاربتها لكونها تسرف بإعداد الطعام والناس في العالم يموتون جوعاً، والأولى محاربة الألبسة والسيارات والاكسسوارات المكلفة والتبرع بثمنها للفقراء، والأولى التيمم حفاظاً على الماء وعدم الاسراف به! بل يمتد الاشكال حتى للغبقات التي تقيمها الأحزاب والتيارات في مناسبتها لما يحدث فيها من إسراف وبأموال حقوق شرعية في بعض الأحيان! وهكذا ندخل بدائرة من المغالطات والأقيسة التي نهينا عنها وليست من فقهنا ولا من مذهبنا، فلكل إشكال جواب نقضي يرده، ولكل مغالطة مغالطة تقابلها، والدين لا يؤخذ بالقياس والاستحسان والمغالطات المخادعة، فانتبه.
• دعوى الإصلاح لا تكون بالمطالبة بالمنع، ودعوى التنظيم لا تكون بالهدم، بل الواجب الحث على مثل هذه الأمور وتكثيرها لأنها إحياء لأمر الحسين (ع) ودعوة له والعجب لا ينقضي ممن يفرح لأجل حدوثها في الغرب ويحاربها في بلده! نعم، هي تحتاج لتنظيم وهذا لازم ومطلوب وإن كان هناك من يرى فيها إسراف فعليه أن ينصح بتوزيع الفائض لموكب آخر، أو يوجه لمكان النقص حتى يُسدّ فتتوالد المواكب وتتكاثر بدلاً من أن تُحارب وتضمحل! هكذا تكون الخدمة الحسينية الحريصة وليست بدعاوى المحاربة والمناكفة والاتهامات المتبادلة في موسم الأحزان على مصابهم (ع).
• أخيراً، أسلوب "الحسين (ع) يريد .." و"الحسين (ع) لا يريد .." لا يصح استخدامه، فليس هناك أحد مخوّل بالحديث على لسان الإمام (ع) وتحديد مراده، والتقوّل على الإمام (ع) قد يدخل المؤمن في الكذب المحرّم ويصل إلى درجة إبطال الصيام لشدة حرمته، فانتبه أخي المؤمن / أختي المؤمنة من تنصيب نفسك مقام الإمام (ع)، وارجع للفقهاء العدول حرسهم الله لمعرفة تكليفك الشرعي، وما يريده الشرع منك، وإلتزم به بلا مخالفة ولا تحارب به احد، ولا تجعل من نفسك ندّاً لأحدٍ من الفقهاء العدول والعلماء الاعلام، فهم حجج الأئمة (ع) علينا كمقلدين.

• • • •

في حديث الصادق (ع) للمفضل: .. القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا، والحسن من كل أحد حسن، ومنك أحسن لمكانك منا».

هل تعلم لماذا يصدون عن البذل في عزاء الحسين ؟

هل تعلم لماذا يصدون عن البذل في عزاء الحسين ؟



بقلم: عباس بن نخي


---------------



"الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ" [الحديد:24]

تعددت جبهات محاربة الشعائر الحسينية وتكثرت، كما تعدد الناهضون فيها والمتصدون لها..
ففسقة يفترون على المراجع بفتاوى مزورة وآراء مكذوبة تحرم الجزع والتطبير، وحزبيون سياسيون يريدون تحويل الشعائر إلى محاضرات وندوات ومؤتمرات... 
ومؤخراً ـ وليس أخيراً ـ ظهرت أصوات تدعو الناس للكف عن البذل في هذا الطريق، وفيهم علماء وملتزمون لا يُطعن في دينهم، ولكن هناك شك كبير في بصيرتهم، وإدانة لقصور فهمهم وسذاجة رؤيتهم، وعجزهم عن قراءة شمولية واعية ترعى جميع جوانب القضية وحيثياتها، مما يؤثر في انتزاعاتهم وبالتالي مواقفهم...

وقد لجأ هؤلاء في سبيل كف الناس وصدّهم عن البذل في الشعائر الحسينية، ونقلهم إلى وجوه أخرى للبر، إلى لطائف الحيل و"معقول" الذرائع، كحرمة الإسراف، وعقد المقارنات التي تخلص إلى مرجحات وتثبت أولويات.. فقارنوا بين الإطعام في مأتم سيد الشهداء وبين إعانة الفقراء والمساكين، وبين الصرف على أثاث الحسينيات ومتاعها وبين تقديمها للمحتاجين...

بإمكان أي كان أن ينقض دعوى هؤلاء بعشرات الشواهد من موارد الإسراف الحرام في سلوكهم، أو في سلوك الدائرة اللصيقة بهم أو التي يتبعونها، حيث الولائم الملكية التي يصرف عليها من سهم الإمام (لا التبرعات التطوعية التي تقدم للحسينيات)، دون أن يسمع من أحدهم اعتراض ناهيك بإنكار؟! وهي جرائم مستمرة وفرص إنكارها قائمة وقادمة، ونحن بانتظار شجاعتهم وظهور بأسهم وغيرتهم على الدين وحرصهم على المال العام والحقوق الشرعية!
هكذا وقع هؤلاء في فخ الحزبيين من أعداء الشعائر الحسينية والحداثيين من أعداء الدين، الذين يحسبون للأمر على طريقتهم، فقطع الموارد المالية وضرب الجبهة الاقتصادية يسقط أي مشروع، 
على طريقة "لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا" [المنافقون:7]، هكذا يحدون من انتشار الشعائر ويقللون السواد في الحسينيات، ويجذبونهم إلى أنديتهم وجمعياتهم وتجمعاتهم المنحرفة الضاله المضلّة

 أما حقيقة الأمر والسر الخفي فيه، فيمكنك أن تستله من مداليل قصة "درهم شطيطة" الذي قبله الإمام الكاظم عليه السلام، وردّ صرر الدراهم والدنانير من أعيان الشيعة ووجهائهم!..

هناك من يبذل للحسينيات ويساهم في شعائر العزاء، والإمام عليه السلام لا يريد أمواله لشبهة فيها، أو لفساد سريرته وبطلان نيته، أو لأية علة أخرى، ولكنه عليه السلام منبع السماحة والرحمة، لا يصدّ ولا يرد أحداً.. وهنا يتحرك قانون الأسباب والمسببات ويمضي بتراتبية طبيعية، فيزيل الموانع أمام مقتضيات نداءات هذه الأبواق المريضة روحياً أو المعقدة نفسياً، أو المأخوذة بإغواء الحاشية اللصيقة، وإملاء البطانة المحيطة، وضجيج الأجواء المختلقة، فيتأثر أولئك بهؤلاء، ويكفوّن عن الدفع والبذل.

هكذا يحرمون، ويتحقق المطلوب!..

إن النداء الأصلي الذي لم يسمعه هذا الشيخ المعمم وذاك السيد العالم، ولا هذا الحاج المريد وذاك الشاب والتاجر، هو أن الحسين عليه السلام لا حاجة له بأموالكم، ولا يريد نصرة أضراب هؤلاء المشايخ والعلماء!
لا يريد من يعقد هذه المقارنات ويقول: مأتم الحسين أم الفقراء؟ تزويج العزاب أم الإطعام في الحسينيات؟ ويأخذه الخناق وهو يدين الإسراف الذي يتوهمه من شُح حضره وبخل غلبه!

أخي المؤمن، أختي المؤمنة:
هل تتصورون أن هذه المساهمات عشوائية لا يحكمها قانون وانتخاب واختيار؟ وأن من لم يكن من النخبة المنتجبة يمكنه أن يساهم في عمل هو الأعظم على الإطلاق؟ حيث يتسنم المؤمنَ آلُ محمد عليهم السلام، فهم أرباب العزاء وأصحاب المأتم، وخادم الحسين والباذل في هذا السبيل نائب ووكيل ينهض بدورهم!؟
فكروا في الفقير العراقي (الذي يتخذونة ذريعة ويدعون لتفضيله على مجلس الحسين) وقد جمع طيلة سنته ووفّر ما أمكنه من قوت عياله، فقاسى الضنك والعوز والجوع والعري والمرض... حتى يقدّم ما وفّر في طريق الحسين، تكتشفوا كم هي سخيفة وواهية دعوة هؤلاء المخترقين، غفر الله لهم، وأبعد عنهم شياطين الإنس والجن، لعلهم يهتدون. 
اللهم اجعلنا من المرحومين بالتوفيق لهذه الخدمة والشرف، ولا تجعلنا من المحرومين المخدوعين..

الأحد، 26 أكتوبر 2014

الحداثيون والشعائر الحسينية...إصلاح أم تخريب وإبادة؟

الحداثيون والشعائر الحسينية
إصلاح أم تخريب وإبادة؟



بقلم: عباس بن نخي

----------



الذين يعيبون البكاء ويعترضون على اللطم ويسفهون الجزع والإدماء، ويتحدثون عن قراءة عصرية ونظرة حديثة وعرض متجدد للقضية الحسينية بأدوات وتقنيات ووسائل أخرى غير التقليدية الموروثة التي تفتقر إلى لغة العصر وتعيش تخلفاً يشين ويسيء إليه المذهب...
هل طرحوا بديلاً عن هذه الممارسات، أو عمدوا إلى آلية أخرى (غير مشوِّهة وموهنة للدين كما يزعمون) تتكفل حمل القضية الحسينية وإبلاغها الأمة، ثم نقلها إلى الأجيال القادمة؟!
إنني هنا أجاري القوم في أطروحتهم تنزلاً، لأكشف زيفها وكذبها نقضاً (بعد الفراغ من دحضها حلّاً)، فهم ليسوا إصلاحيين، بل تخريبيين وتهديميين وإباديين! لا يحملون همّ الدين والمذهب، وكل ما هناك مصالح شخصية وحزبية تسحب الشعائر الحسينية البساط من تحتها، وتعريها وتظهرها على حقيقتها الباطلة، فبرزوا لها بالحرب والعداء.

هناك سؤال كبير ما زال يطرح نفسه بإلحاح، يقف فيه السائل حائراً متعجباً، فلا رد يأتيه ولا جواب!
هل في جعبتكم شيء غير النقد والاعتراض؟ هل في مشروعكم نقلة من الهدم إلى البناء؟ هل أنتم حقاً إصلاحيون كما تزعمون؟ أم متآمرون يريدون القضاء على الفكرة وإنهاء القصة وإغلاق ملف القضية؟

ماذا بعد الاعتراضات التي بدأت منذ نحو ثمانية عقود وما زالت كما هي تدور في دائرة إدانة الوضع القائم والنداء بفارغ القول ومجرد القرقعة ومحض الجعجعة بأن هذه الشعائر تسيء إلى قضية الحسين وتشوهها، وأنكم تملكون ما يحييها بصورة ناصعة ويخلدها بأدوات عصرية محببة؟
لقد تطور العالم الحديث الذي تنسبون أنفسكم إليه، فهل جاريتموه في شيء غير الأزياء ونمط العيش الغارق في الدنيوية؟ ودع عنك الصناعة والعمارة، هل واكبتموه في شيء من الفنون الجميلة كالرسم والنحت والشعر والمسرح والموسيقى والسينما؟
هل في جعبتكم عطاء علمي وثقافي يخدم قضية سيد الشهداء؟
هل من نتاج فني وأدبي عصري وحديث؟

هل انصرفت كوادركم المتكثرة والمشبعة من العلوم والثقافة الغربية إلى نتاجات عصرية حديثة بديلة عن النمط التقليدي الذي تدينون من الشعائر الحسينية؟
هل قدمت طاقاتكم المهولة التي تقف على جبال من الإمكانيات، شيئاً على أي صعيد، غير اجترار إحدى أنماط الشعائر الحسينية نفسها، ولكن عبر أشخاص موالين لكم (يتغير الخطيب والرادود، فيشاركون في المجلس ويرضون عن الحسينية)!؟

إن مشهد الطفل الرضيع وهو يتلقى السهم ويتضمخ بدمه على راحتي أبيه عليه السلام يستحق ويحتمل أكثر من عشرين فيلماً سنيمائياً طويلاً، وهكذا مشاهد الوداع والمصرع وتوبة الحر وحصار مسلم بن عقيل وما إلى ذلك مما أبدع فيه الشعراء والراثون والخطباء الحسينيون، فتتلقاهم الجماهير المؤمنة بالبكاء والجزع واللطم والإدماء... هل أنتجتم شيئاً من هذه الأفلام؟ هل خطوتم خطوة في هذا الطريق العصري الحديث الذي تدعون، هل كتبتم سيناريو واحداً لمشاريع هذه الأعمال الفنية؟ أم هو مجرد كلام وهدم يريد تقويض المنابر والشعائر فحسب؟
ألا تشعرون بالخجل والعار أن لا مسرحية عن واقعة الطف غير تلك التي كتبها عبدالرحمن الشرقاوي المصري "الحُسَيْن ثائراً وشهيداً"؟ ألا تخجلون من أنفسكم وتستشعرون الخواء والعجز الذي لو كان في شريف منكم لأمسك عن الاعتراض والنقد ولاذ بصمته ولم ينبس ببنت شفة.
أليس من العار عليكم أن تخلو الساحة الموسيقية التي تبيحون ولا ترون فيها ضيراً ولا غضاضة، ولا أمامها عائقاً شرعياً، من نتاج يحكي الواقعة، إلا معزوفة الأستاذ جواد معروفي على البيانو "عاشوراء" ؟
هل عقمت أرحام النساء منكم أن تلد مثل الوتر محمود فرشجيان لترسم لوحة "عصر عاشوراء" ؟
(وهو ليس منكم، بل تقليدي في دينه وعقيدته)!

كم لوحة ومنحوتة وجدارية ونصب تحتملها واقعة الطف؟ أين نتاجكم؟ بل أين محاولاتكم غير تلك العبثية التي تزري بالفن قبل أن تنال من الشعائر وهي تجمع الأطفال في محترفات ارتجالية لمجرد إبعادهم عن الحسينيات وإشغالهم بما يلهيهم؟
لماذا لا يوجد فيلم سينمائي واحد عن واقعة الطف على مستوى "قلب الأسد" (Brave Heart) الذي يحكي قصة الثائر الأسكتلندي "وليام ولاس"، لـ "ميل جبسون"؟ أو حتى فيلمه الآخر الأقل جودة فنية "آلام المسيح"؟!
هلّا قدمت مدرستكم شيئاً غير التبجح والهراء! مجرد نقد واعتراض، ثم لا إنتاج ولا عطاء... اللهم إلا أن تعلنوها صريحة وتخرجوا من النفاق إلى الكفر البواح، بأنكم تريدون إنهاء ذكر الفاجعة وطي صفحتها، وما هذه الدعاوى "الإصلاحية" إلا تحايل والتفاف وتلفيق يداري تلك الحقيقة التي تخفون!

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

خدام الحسين...لن يُخدعوا عن جبهتهم!

خدام الحسين... لن يُخدعوا عن جبهتهم!



بقلم: عباس بن نخي


-------------




الطليعة المتقدمة في إحياء الشعائر، رواد العزاء وقادة البذل والعطاء، الذين يتقدمون مسيرة البكاء واللطم والجزع والإدماء...
كل مؤمن يعشق سيد الشهداء ويلتزم أداء الشعائر الحسينية بما يمليه الحب والولاء، وكما تأمر الشريعة الغراء، بل بما يقتضيه نقاء الفطرة وتفرضه سلامة الروح، وما يترتب على الطهارة والنجابة...


إن الهزيمة النكراء التي مني بها أعداء الشعائر في السنوات الأخيرة، والعجز المشهود الذي نالهم، والفشل الذريع الذي طالهم، أوقعهم في الحرج أمام آمرهم وقائدهم، الذي أشعل الحرب وأرسلهم يفتعلون الفتن والمعارك، ما شق الساحة الشيعية وشرذمها وبدد طاقاتها في جبهات وهمية.. أُسقط في أيديهم وهم يرون الشعائر في ألَق وازدهار، والتفاني في إذكائها في اطّراد وازدياد، والحرص عليها يندك في النفوس ويقترن بالوجود..
فالثقافة الحسينية الأصيلة أصبحت في متناول عامة الناس، والساحة الإيمانية بمختلف شرائحها وطبقاتها وقفت على عظمة الكنز الذي ورثته من أسلافها وتلقته جيلاً بعد جيل، وكشفت زيف وخواء أعداء الشعائر الذين يصطفون ـ أرادوا أم لم يريدوا ـ مع مستهدفي الحسينيات ومفجري المواكب وقتلة الزوار! ومجالس العزاء ومظاهر الجزع ومواكب التطبير تتنامى وتتضاعف، وحجم البذل المالي يبلغ أرقاماً قياسية (والفقير يقدم كل مدخراته، والقوم يتباكون على عوز الفقراء ويقدمونه كبديل عن البذل في مآتم العزاء! فيا للشقاء!)، والأمة في نشوة عشق المولى والمسارعة والتاسبق في هذا الميدان الملكوتي الأقدس.


إنهم يعيشون الاندحار ويستوطنهم الفشل وتتملكهم الهزيمة.. لذا تراهم في تشنج وهستيريا ومواقف وخطوات تصعيدية تنذر بقرب هلاكهم وتنم عن يأس، ويائس بائس ينادي: علَيَّ وعلى أعدائي!
وهنا مقام النباهة والبصيرة، ومحل الوعي والحكمة:


لن ننجر إلى معارك يستدرجوننا إليها..
لن ننشغل بمهاترات تقلب النزاع وتجر الخلاف إلى الشخصانية..
لن ندافع عن غير الحسين ورسالته وعزائه وشعائره..
سوف ننصرف إلى شأننا ونركز على نشاطنا، ونقدّم أقصى ما يسعنا لنرضي إمامنا ووليّنا، وبالتالي ربنا وإلهنا الذي عقد رضاه برضاهم: رضا الله رضانا أهل البيت.

سنعض على الجراح، ونكتم غصتنا ولوعتنا من سيل الأكاذيب والافتراءات التي يوجهونها إلينا، وهم يصوروننا حالة من العجز والقعود والإخلاد إلى الأرض، مقابل الجهاد والتضحية والفداء (وجلهم ثوارٌ كتبة ومترفون منعّمون!)... وجحافل اللطامين والجازعين والمطبرين تملأ ساحات النضال وتلتحق بصف الجهاد عندما أمر به نائب حقيقي لإمام الزمان، فلم يتخلف أصحاب المواكب ولم يتردد الحسينيون حتى أعلنت الجبهات كفايتها، وما زالوا يتظاهرون ويعتصمون ومطلبهم الوحيد الإفساح لهم للالتحاق بركب الجهاد!

سنكتم الآلام ونجحد الغصة من عدوان أشقاء نذروا أنفسهم لحربنا، بافتراءات يقلبون فيها الحقائق، بلغت تزييف فتاوى المراجع العظام وتحريفها، ناهيك بقراءات واهية وتحليلات سخيفة واستطلاعات اجتماعية وهمية عن التشويه الذي يزعمون أننا نلحقه بديننا ومذهبنا!
سنفرغ غضبنا على الشيطان وأوليائه، ولا شيء يرغمه كإحياء الشعائر الحسينية.. وسنطفئ غضب الله على إخوتنا الذين يتبعون الضالين بدموع نهرقها على مصاب الحسين، وسنمضي متعالين شامخين، فمن مثلنا وقد جعلنا الله في المرحومين وجعلهم من المحرومين!؟