من غريب ما انتاب ساحتنا الإيمانية هذا الموسم، حملة شعواء شاملة طالت الشعائر الحسينية ونالت من ممارسيها ومحييها، تركزت على التطبير وزفاف القاسم، ناهيك بالسيرة، ولم توفر اللطم، بل حتى البكاء!
والغرابة من حيث هدوء وإعراض كان قد عمّها في السنوات الثلاث الأخيرة، لتتفجر هذا الموسم سيلاً من المقالات الصحفية والروابط الألكترونية عبر المسجات والوتساب... لم أجد فيها غير المغالطات والأكاذيب، واستغفال العوام، والتشنيع والتهويل بلا حجة ولا دليل.
وقد اتخذت، بتنظيم وتوجيه، مسارات مختلفة وأساليب متفاوتة، من التشنيع والتهديد، إلى الشكوى والعتب، واللطف والأدب والحوار بالتي هي أحسن، وهذا النمط الأخير هو الذي استوقفني وهو يظهر صاحبه كمفلس ينظّر في الاقتصاد، أو كعلج جلف ينشد قصيدة رقيقة في الغزل، ولا أقول كعاهرة تلقي محاضرة في العفة!
فيدعو أحدهم للوحدة ويبكي الوئام ،ويشكو النزاع والخصام، وتشتت القوى واختلاف المؤمنين ونزاعهم وذهاب ريحهم!
بالله هل نسي هؤلاء أم يتناسون السبب والمسبب؟ من الذي أفتى بالهراء وحرم وحظر؟ من الذي لاحق وأجبر؟ من الذي أكره الناس وأرغمهم بقوة السلاح وإرهاب المخابرات والسجون للعمل بفتواه والتزام رأيه المتهافت؟ أم هي مقولة معاوية لعسكره لما رأوا عماراً في قتلى علي فعرفوا انهم الفئة الباغية، فرد الداهية: إنما قتله من جاء به إلى القتال؟!
هل نسوا من أجج الفتنة وافتعل الصراع وحرّك الساكن وأهاج الآمن؟
أم تراه كان يحسب الساحة الشيعية كلها طوع بنانه ورهن إشارته؟ لا يلبث أن يأمر فتمتثل، كما تفعل ربيضة الغنم من أتباعه الحزبيين؟
هل نسي المتباكون على وحدة الساحة والذين يندبون حرية الرأي والتعددية، واحترام الآخر في معتقده ورأيه وفتواه، ويشكون الردود "القاسية" التي يتلقونها من الرواديد والشعراء، هل نسوا القمع والبطش والرعب والإرهاب الذي يلاقيه المعزون في إيران؟ والإرهاب الفكري والتهويل الذي يلاقيه المؤمنون خارج إيران من ولي الفقيه وأتباعه؟
إن مظهر الحمل الوديع الذي ينوء برقبته حزناً على قصيدة ضد وليه، تشبه منظر صدام حسين حين كان يظهره الإعلام يلاطف الأطفال المعدمين في القرى وهو الذي نكل بآبائهم وأباد أسرهم!
لن أطيل في الرد ولن أسمح باستدراجي إلى حيث يريدون، فليس فيما يطرحون بصيص دليل يستحق المناقشة، ولا فيما يهرفون مسكة من حقيقة جديرة بالملاحظة... ما هو إلا خطاب العوام، وتهريج ودعاية وإعلام، مجاب عنه بعشرات المؤلفات والكتب العلمية التامة استدلالاً والكافية حجة.
باختصار، كفوا والزموا حدودكم، وإلا عدنا لما يحطم صنمكم ويدخله مزبلة التاريخ ونحن ننسج على غرار:
يا راكباً أما مررتَ بجلَّق
فابصق بوجه أَمِينهاالمتزندق
ولقد أعذر من أنذر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق